مشاريع صغيرة للاجئات سوريات في تركيا

ام سعيد في معرضها ست الحبايب تصوير سلافة الحسن

ام سعيد في معرضها ست الحبايب تصوير سلافة الحسن

"إنَّ أكثر ما دفعني لإنشاء مشروعي هو محاولة إيصالٍ رسالةِ أنّ المرأة السورية قادرة على الإبداع وعلى إنتاج أشياءٍ جميلة."

نورا الشعلان

لم تتمكّن سنوات الحرب الطويلة وظروف اللجوء الصعبة من أن تسرق رغبتها في الإبداع والإبتكار… فبقليلٍ من الإمكانيات وبكثيرٍ من الحب تضع أم سعيد (54 عاماً) لمساتها الفنية على الأعمال اليدوية التي تقوم بصناعتها.

في مدينة غازي عنتاب التركية، تترجم أم سعيد حنينها لسوريا من خلال أعمالها، التي تعكس جمال طبيعتها وحضارتها العريقة، فتجعلها منطلقاً في تفكيرها عند تصميم أي قطعة فنية. ولم تكتفِ أم سعيد بممارسة هوايتها القديمة بصناعة الأعمال اليدوية من الخرز والصوف، بل قامت بتطوير نفسها فتعلمت مهاراتٍ جديدة كالحفر على الخشب وغيرها، إلى أن تحوّل ذلك إلى نواةِ مشروعٍ صغير للأعمال اليدوية.

تتحدّث أم سعيد عن تجربتها لـ حكايات سوريا فتقول: “بدأتْ الفكرة من إقبال الأصدقاء والمعارف على الأعمال التي أقوم بصناعتها، ثم تطوّرَ الأمر إلى أن قدّمتُ أعمالي في معرضٍ خاص أسميته معرض ست الحبايب، فلقي استحساناً كبيراً من السوريين والأتراك على حدٍّ سواء، ولذا واظبتُ على الإستمرار… وقمتُ بالتسجيل في معهدٍ خاص للحصول على شهادة مهنية، كي أكون قد نقلتُ شغفي من إطار الموهبة إلى واقع الحرفية بشكلٍ رسمي”.

ليس الهدف المادي فقط، وإن كان أمراً ضرورياً، هو ما يدفع السوريات لإنشاء مشاريعهن الخاصة في دول اللجوء، “فالحاجة إلى الإبداع والإبتكار أمر لا يقل أهميةً عن الدافع المادي” وذلك بحسب أم سعيد التي تضيف قائلةً: “إنَّ أكثر ما دفعني لإنشاء مشروعي هو محاولة إيصالٍ رسالةِ أنّ المرأة السورية قادرة على الإبداع وعلى إنتاج أشياءٍ جميلة.

وتطمح أم سعيد لتعليم النساء والفتيات الأعمال اليدوية والزخرفة وكل ما تعرف من مهارات. كي يستفدنَ من ذلك ويتمكنَّ من ترك بصماتٍ متميزة عن طريق الأعمال اليدوية.

في السياق ذاته لكن في مجالٍ آخَر، تتحدّث السيدة أم محمد (40 عاماً) لموقعنا عن مشروع المطبخ السوري الذي أسّسته في مدينة غازي عنتاب، حيثُ تقول: “بعد أن مرض زوجي وقد ضاقت بي الحال في غربتي عن وطني، لم أستسلم وبدأتُ أطبخ لعددٍ بسيطٍ من العائلات السورية في المدينة. أحبّوا الأصناف التي أقدّمها لأنها تذكّرهم ببلدهم وتعيدهم إلى ذكرياتهم فيها، فبدأ المشروع يكبر حتى أسّستُ مطبخي الخاص من المأكولات السوريّة وأنا سعيدة به”.

على الرغم من أنَّ أم محمد لا تُجيد القراءة والكتابة، إلاّ أنّها نجحت في مشروعها الذي لا يتوقّف على الطبخ فقط، فهي باتت تعتبر نفسها “مسؤولةً عن اللاجئين في منطقتها” فقد قامت بإشراك الكثير من النساء في مشروعها وتقول: “إنَّ أكثر ما يزعجني هو أن يعتمد السوريون فقط على المساعدات التي تأتيهم من الجمعيات، لكننا ضيوف في غربةٍ فُرِضَتْ علينا ومن واجب الضيف أن يقدّم شيئاً مقابل الإستضافة وأن يثبت نفسه لا أن يكون عالةً على أحد، لذا أعمل على إشراك السوريات معي كي يعكس نجاحنا معاً أفضل صورة عن السوريين”.

على الرغم من نجاح التجارب المهنية لبعض النساء السوريات في دول اللجوء، وأم سعيد وأم محمد منهن، إلا أنَّ هناك تحديات تقف أمام السوريات في تأسيس مشاريعهن الخاصة… أولها التكاليف التي يستلزمها افتتاح أي مشروع. من شراء المواد الأولية والتجهيزات اللازمة وما شابه، وهو ما تعجز عن تأمينه الكثيرات، بالإضافة إلى عائق عدم إتقان اللغة الأجنبية اللازمة والذي يقفُ حجر عثرة في التواصل سواء في بداية المشروع أو خلال تسويقه… وكذلك هناك تحدياً أساسياً وهو غياب تشجيع الأسرة وخاصة الزوج الذي قد يصل به الأمر لحد منع زوجته من العمل خارج المنزل فتتدمّر أي فكرة إيجابية لديها.

هذا ما حصلَ للسيدة لطيفة (35 عاماً) التي تقول لموقع حكايات سوريا: “بالرغم من عشقي لمهنة الخياطة وإتقاني لها إلاّ أنّ زوجي لا يسمح لي بممارستها إلا في حدود المنزل ولوحدي دون إشراك أحد معي. بالرغم من ظروفنا المعيشية السيئة وحاجتي للعمل… فحلمي بأن يكون لدي مشغل كبير للخياطة وأن أتعامل مع السوق، يمنعني زوجي من تحقيقه… وعملي في المنزل على نطاق ضيّق جداً لم يعد يرضي طموحي كما لا يؤمّن لي المردود المادي الكافي”.

بعكس أم سعيد وأم محمد اللتين وجدتا التشجيع اللازم من أسرهما. وأم سعيد تقول: “لم يقتصر الأمر على التشجيع فقط، بل شاركني زوجي وأولادي في التحضير لمعرضي، وكل ذلك يشكّل لي حافزاً إضافياً نحو مزيدٍ من العمل”.

وعن الإقبال على المنتجات، تقول أم محمد أنَّ زبائنها هم من السوريين وبشكل خاص فئة الشبّان، وتقول بأنَّ الأتراك يتذوقون مأكولاتها لكن لا يكون الإقبال كما السوريين.

أمّا أم سعيد فيختلف الأمر لديها، حيثُ أنَّ الإقبال الأكبر هو من المجتمع التركي، حيثُ يميل الأتراك إلى اقتناء الأعمال الفنية اليدوية ويشجّعون عليها، وقد قامَ المعهد التركي الذي تدرس فيه أم سعيد باختيار مجموعة من أعمالها لتمثيل المعهد في أحد المعارض.

صولة جديدة من النجاح تخوضها أم سعيد وأم محمد، إلى جانب نساء سوريات رائدات في تركيا… وهو الأمر الذي تُشجّع عليه منظمات مدنية في مختلف المحافظات التركية، حيثُ تقوم بإطلاق دورات مهنية لتمكين المرأة السورية كي تستطيع تأمين سبل الحياة، كمؤسسة عبد القادر السنكري التي كرّمت أم محمد على عطائها في مطبخها السوري.