السوريون في تركيا يأملون بالاندماج ويحنّون للعودة

"الكثير من اللاجئين السوريين في تركيا فقدوا الأمل بالعودة إلى وطنهم وتشكلت لديهم قناعة مفادها أن العودة أصبحت شبه مستحيلة في المستقبل القريب "

أكثر من 3 ملايين سوري هو عدد الذين لجأوا إلى تركيا منذ العام 2011 بحسب الإحصائيات الرسمية التركية الصادرة قي العام 2017، يعيش 600 ألف منهم داخل المخيمات فيما يتوزع الباقون على المدن والقرى التركية .
وشكلت تركيا وخاصة اسطنبول وغازي عينتاب وأورفه وكلس، ملاذا آمنا للسوريين الهاربين من نيران القصف والمعارك بحكم موقعها الجغرافي الحدودي مع سوريا، فضلا عن التسهيلات التي قدمتها الحكومة التركية للاجئين السوريين من خلال فتح المعابر البرية وتقديم ما يسمى بنظام الحماية المؤقتة للسوريين المقيمين على أراضيها.
إضافة إلى توافر فرص العمل وفتح مشاريع صناعية وتجارية لأصحاب رؤوس الأموال من السوريين. كما تؤكد مصادر رسمية تركية حصول عدة آلاف من اللاجئين السوريين على الجنسية التركية.
الكثير من اللاجئين السوريين في تركيا فقدوا الأمل بالعودة إلى وطنهم وتشكلت لديهم قناعة مفادها أن العودة أصبحت شبه مستحيلة في المستقبل القريب مع تحول الصراع إلى قضية دولية تحكمها تحالفات إقليمية.
محمد خيرو (33 عاما) وهو لاجئ سوريا من حلب ومقيم في تركيا ولديه مطعم وجبات شرقية يعتقد أن العودة إلى سوريا تحولت إلى حلم مع سيطرة النظام السوري على كامل المدينة نهاية العام الماضي، وبحكم معارضته للنظام فإن العودة الآن أشبه بالانتحار، حسب تعبيره.
يقول خيرو لـ حكايات سوريا: “مسألة العودة إلى سوريا غير واردة، فأنا مطلوب لسلطات النظام، لذا أعتقد أنني سوف استقر في تركيا لزمن غير محدد، خصوصا بعد أن أقمت مشروعاً تجارياً اتكسب منه رزقي اليومي”.
ويضيف خيرو: “السوريون في تركيا يحصلون على خدمات لا بأس بها، حيث أن حاملي بطاقة الحماية المؤقتة يستفيدون من الخدمات الصحية المجانية في المشافي الحكومية، إضافة إلى المعونات الإغاثية، كما أن عددا من اللاجئين السوريين حصل على الجنسية التركية ضمن شروط محددة وهذا ما يشجع الكثير على البقاء، وعدم التفكير في العودة إلى سوريا في الوقت الراهن”.
ويعتقد خيرو أن تركيا “أصبحت بمثابة الوطن البديل بالنسبة لعدد كبير من اللاجئين السوريين”.
وائل العمر (23عاما) من ريف حلب. يدرس الهندسة المدنية في جامعة غازي عينتاب التركية منذ قرابة ثلاثة أعوام وشارف على التخرج. العمر لجأ وأسرته إلى تركيا بعد اشتداد القصف من على بلدته. وهو يخطط للإقامة الدائمة والعمل هنا بعد تخرجه من الجامعة.
ويوضح وائل العمر أن الحكومة التركية بدأت بتجنيس معظم طلاب الجامعة من اختصاصات الهندسة والطب، مما يمنحه فرصة الحصول على وظيفة في دوائر الدولة التركية تؤمن له مستقبله المهني في هذا البلد.
ويشير العمر إلى أن الذهاب إلى سوريا ربما يكون بقصد زيارة الوطن ومن تبقى من أقاربه وأهله هناك.
في حين أن فادي (اسم مستعار) يؤكد أن عودته مرتبطة بتغيير نظام الحكم في سوريا، أو صدور عفو عام عبر مصالحة شاملة، كونه مطلوب لخدمة الاحتياط في جيش النظام السوري.
يقول فادي (29عاما) لحكايات سوريا: “خرجت خفية من مدينة حلب قبل قرابة عام ونصف بعد أن تم طلبي من شعبة التجنيد للالتحاق بخدمة الاحتياط، ما دفعني للخروج من المدينة نحو مناطق سيطرة المعارضة مقابل دفع رشاوي مالية كبيرة للحواجز العسكرية على طول الطريق من حلب إلى ريفها”.
ويضيف فادي: “بعد وصولي إلى ريف حلب قررت العبور إلى تركيا بحثا عن عمل لتأمين لقمة العيش، وبالفعل تمكنت من العبور بطريقة غير شرعية عبر الحدود بمساعدة أحد المهربين مقابل مبلغ من المال، حيث قضيت يوما كاملا وأنا أسير في الأراضي الوعرة وصولاً إلى داخل تركيا”.
ويعمل فادي اليوم كحلاق رجالي في مدينة إسطنبول، وهي مهنته التي كان يعمل بها في مدينة حلب قبل أن يخرج منها مرغما نحو اغترابه القسري في تركيا.
وعلى النقيض يقول إبراهيم أبو إسماعيل (44 عاما) إنه يفكر بالعودة في نهاية العام الجاري إلى سوريا بعد استقرت الأحوال من الناحية الأمنية في ريف حلب الشرقي، نتيجة التدخل العسكري التركي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويضيف أبو إسماعيل لحكايات سوريا: “بعد خروج تنظيم الدولة من مدينة الباب قررت العودة إليها وإلى عملي القديم في صيانة الدراجات النارية، لاسيما أن المعيشة في تركيا مكلفة جدا ولا طاقة لي على احتمال المصاريف، خصوصا أنني أعمل في مصنع تركي براتب ضئيل بالكاد يكفي أجرة المنزل ومصروف الطعام والشراب”.
ويكمل أبو إسماعيل: “في النهاية ليس هناك من بديل عن الوطن مهما كانت الظروف، لذا لابد لكل سوري أن يعود يوما ما إلى بلده الأم بعد أن تتوقف الحرب ويتم صياغة حل سياسي يرضي جميع الأطراف، ويؤمن كرامة وعدالة لهذا الشعب المسكين الذي تحمل ويلات الهرب والنزوح”.
قد تمثل تركيا بظروفها المعيشية والاجتماعية مكانا مشابها للبيئة السورية الأقرب إلى المحافظة، لكنما تبقى غصة الفراق وألم الهجرة أبدا في قلوب السوريين في تركيا لزمن غير معلوم، كما تجمع أغلب الآراء.