هوية سورية مزورة بثلاثين دولار أميركي!

الأوراق الثبوتية السورية اختلط فيها المزور بالأصلي خاص حكايات سوريا

الأوراق الثبوتية السورية اختلط فيها المزور بالأصلي خاص حكايات سوريا

"نعم، بثلاثين دولارا أميركي وعبر الواتساب يمكن أن تحصل على بطاقة هوية سورية طبق الأصل"

عمر يوسف

تجارة الوثائق الثبوتية السورية المزورة، راجت أخيراً في تركيا كما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام داخل سوريا. وبات الحصول على بطاقة هوية وووثائق السجل المدني الفردي والعائلي وشهادة سوق ممكناً جداً مقابل القليل من المال.

كما أصبح الحصول على شهادة مزوّرة، على أنها من إحدى الجامعات السورية وبالمعدل المطلوب أمراً يسيراً. خصوصأ وأن مثل هذه الشهادات يمكن أن توفر فرصة عمل او تسهل السفر إلى الخارج.

والسبب الأوّل لهذه الظاهرة هو حالة اللجوء السوري. وما نجم عنها من فقدان السوريين لوثائقهم الرسمية جرّاء الحرب والنزوح المتكرِّر. إضافةً إلى الأسباب المرتبطة بعدم قدرة البعض على إستصدار الوثائق من مؤسسات النظام السوري التي تعج بالسماسرة ممن يطلبون مبالغ خيالية!

إذاً الأسباب عديدة، والنتيجة واحدة… التزوير.

في مدينة غازي عنتاب التركية القريبة من الحدود السورية يتواجد قرابة 200 ألف لاجئ سوري. بعضهم أسّسوا كيانات تجارية وصناعية تقدِّم للاجئين جميع المنتجات الغذائية والصناعية السورية التي تربطهم بوطنهم الأم. لكن وسط هذا الحراك الإقتصادي نمت ظاهرة المكاتب السرية لتزوير الوثائق الرسمية السورية بعيداً عن أعين السلطات التركية.

المزورون ينشطون على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ويروّجون لخدمات التزوير، فيؤكِّدون أنَّ تلكَ الوثائق مطابقة للأصل، مرفقين نماذج ترغيبية من أعمالهم.

تواصلَ أحمد (30 عاماً) مع أحد هؤلاء المزوِّرين في تركيا، ويعرِّف عن نفسه بإسم “جمال”.  طلب أحمد من جمال تزوير بطاقة هوية سورية، فما كان منه إلا أن رحَّبَ بالأمر، مؤكِّداً على أنَّهُ سيقدِّم له “خدمةً تُرضيه”. وطلبَ منه البيانات الشخصية للقيام بعمله، أي الإسم ومحل وتاريخ الولادة، إضافةً إلى صورة شخصية يتم تصويرها عبرَ الموبايل!

تم إرسال البيانات والصورة إلى جمال عبر تطبيق واتساب. على ان يتم إنجاز العمل خلال يومين فقط مقابل 100 ليرة تركية أي ما يعادل 30 دولاراً أمريكياً… نعم، بثلاثين دولارا أميركي وعبر الواتساب يمكن أن تحصل على بطاقة هوية سورية طبق الأصل!

بعدَ يومين اتصل جمال بأحمد ليخبره أنَّ البطاقة الشخصية أصبحت جاهزة. واتفقَ معه على أن يتم التسليم في حديقة عامة عند أطراف المدينة. تسلّم احمد بطاقته في ظرف من أحمد الذي تقاضى المبلغ وانصرف مسرعاً. وهكذا تمّت الصفقة!

المختص بالأمور الفنية والتقنية عبد الله طوفان يتحدّث لحكايات سوريا عن آلية التزوير، فيقول: “لم يعد التزوير أمراً صعباً بعد التطور التكنولوجي الذي شهدناه، وهو ما دفع بالحكومات إلى إضافة رموز وشعارات معقّدة على الوثائق، تلك الرموز غير مطبوعة بطابعات عادية وتُستخدم فيها نوعية خاصة من الورق يصعب الحصول عليه من أيٍّ كان”.

ويضيف: “لكن بالنسبة للوثائق السورية، فهي لم تتطوَّر تقنياً وأمنياً مع تطوُّر التكنولوجيا، حيث أنَّ الحصول على نسخ مطابقة لها أمراً ليس بالصعب، خاصة مع تطور الطابعات الملوّنة… ولذا فالمسؤولية تقع على النظام السوري في ذلك الأمر”.

بدوره، يحذّر الصحفي تمّام حازم اللاجئين السوريين في تركيا من الإستعانة بمكاتب التزوير واستخدام الوثائق المزوّرة، مؤكداً أن الحكومة التركية لا يمكن أن تنطلي عليها تلك الحيل، لا سيّما بما تمتلكه من أدوات كشف التزوير، ويمكن السؤال عن كثير من الحالات التي يتمُّ كشفها.

وأضاف حازم أنَّ البطاقات الشخصية المزوّرة لا يمكن استخدامها داخل مناطق سيطرة النظام. ويشير إلى الضرر الذي تتسبّب به هذه الظاهرة على السوريين في دول أوروبا، لا سيّما أن انتشار التزوير يسمح للبعض من الجنسيات العربية الراغبين باللجوء إلى أوروبا، بأن يحصلون على وثائق سورية مزوّرة واستخدامها كوسيلة للجوء على أنهم سوريين.

عمار محمد طالب جامعي من حلب، لا يجد أي مشكلة في استصدار الوثائق المزوّرة، كونها تخدم الشعب السوري في الشتات وتساعده في تسيير معاملاته الرسمية، بعد تعذُّر الحصول عليها من سوريا. ولكن محمد يشدد على ضرورة توخي بعض الحذر في القضية مشيراً إلى “أن هناك من لم يكملوا تعليمهم الأساسي ويحصلون على شهادات جامعية مزوّرة، وهذا الأمر سيتم كشفه من خلال سوق العمل بسرعة”.

بشرى مدرِّسة سورية مقيمة في تركيا، ترى أنَّه لا يمكن التعامل مع قضية التزوير بهذا التساهل، وتقول: “انعكس الأمر على أصحاب الشهادات العلمية السورية حيث أصبحت تلك الشهادة محط شك من الجميع، هل هي مزوّرة؟ إضافةً إلى مزاحمة أصحاب الشهادات المزوّرة في سوق العمل التركي وفي المناطق التي تسيطرة عليها المعارضة في سوريا”.

وتنبه بشرى من “أن بعض الشهادات المزورة لا يمكن كشف أصحابها الذين إما كانوا جامعيين ولم يكملوا تعليمهم أو زوّروا شهادات التخصصات الأدبية، فلا يمكن كشفهم بسرعة في سوق العمل”!

وتبقى المسألة عالقة بين كون التزوير ضرورة بالنسبة لمن يصعب عليه الحصول على وثيقة من بلده، وتحول التزوير إلى وسيلة للإستغلال فيما الضحية في النهاية هو الإنسان السوري الحالم بوطن صارت هويته مزوّرة وتساوي ثلاثين دولاراً؟!