الانقطاع عن الدراسة أبرز مشاكل الطالب السوري في تركيا

A classroom in Turkey Photo Credit: Hamza Khudr

A classroom in Turkey Photo Credit: Hamza Khudr

تنشغل ياسمين العلي (11 عاماً) برسم أشكال غير مفهومة على الدفتر، فيما ينكبّ زملاؤها في الصف على إنجاز وظائفهم المدرسية. تقول ياسمين: “أنا في الصف الأول، لكن أهلي قالوا لي يجب أن أكون في الصف الرابع”. ياسمين كانت منقطعة عن الدراسة لأكثر من عامين لسبب تقول أنها لا تعرفه. وها هي قد عادت إلى متابعة الدروس في المدرسة الإبتدائية في مدينة غازي عينتاب.
ليس لدى ياسمين مشكلة مع زميلاتها الأقلّ منها عمراً في الصف، فهي تلعب معهم في حديقة المدرسة كل يوم على حد قولها. أما عن سنوات انقطاعها عن الدراسة فتصفها قائلة “لم نفعل فيها شيئا، لا قرأنا ولا درسنا ولا تعلمنا أي شيء”.
نزحت ياسمين مع أهلها من حلب قبل عامين، بعد اشتداد الحرب هناك. وكانت حينها في الصف الأول، لم تتابع دراستها بعد وصولها إلى تركيا، بسبب ضياع أوراقها الرسمية في سوريا بحسب ما يروي والدها.
تعتبر ياسمين واحدة من آلاف الحالات التي خلفتها الحرب الدائرة في سوريا والانتقال إلى حياة جديدة في تركيا، ومن مظاهرها ضياع أعوام من الدراسة.
“العديد من الأطفال فقدوا الدافع بالعودة مجدداً للدراسة بعد الانقطاع” يقول الأستاذ علي مصطفى مدرس اللغة العربية في إحدى المدارس السورية في تركيا. ويضيف مصطفى “لدينا اليوم المئات من الطلاب الذين يعانون من الفقد التعليمي وقد انعكس هذا على مستوى الطالب الدراسي “.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” نبهت في تقرير نشرته تحت عنوان “توقف التعليم” إلى أن 3 ملايين طفل سوري اضطروا للتوقف عن التعليم بسبب القتال الذي دمر فصولهم الدراسية، وتركهم في حالة رعب، واضطر العديد من أسرهم إلى الفرار إلى خارج البلاد. ولفتت اليونيسيف إلى هذه الدراسة تعد الأولى من نوعها التي تبحث في مدى التدني الكبير في مستويات التعليم في بلد كانت مستويات الالتحاق بالمدارس الابتدائية فيه قد بلغت 97 في المائة قبل بدء الصراع عام 2011.
وبحسب تقرير صدر عن هيومان رايتس واتش فأن نحو 400 ألف طفل سوري في تركيا لا يذهبون إلى المدارس.
ويؤكد الخبير التربوي عبد العزيز دوارة أن “الحرب هي العامل الأكثر تأثيراً على الطلاب والمسبب الرئيس لإنقطاعهم عن المدرسة”. ويرى “أن الحالة المادية وصعوبة المعيشة في تركيا دفعت الأهالي إلى العزوف عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، وتفضيل العمل على الدراسة. إضافة إلى انتشار فكرة عدم الاعتراف بالشهاداة التعليمية المقدمة للاجئ في المدارس السورية. وهذا يعد سبباً رئيسياً في عدم ارسال اللاجئين لأطفالهم للمدراس”.
كما أن أرتفاع تكاليف المواصلات في تركيا، منع بعض الأهالي من إرسال أطفالهم للمدرسة كحال أبو محمد الذي توقف العام الماضي عن إرساله طفله إلى المدرسة.
ويضاف إلى العوامل السابقة قلّة عدد المدارس السورية في تركيا مقارنة بأعداد النازحين الكبير والذي تقدره السلطات التركية بمليونين ونصف المليون. أما في المدراس التركية فيعاني الطلبة السوريون من صعوبة التسجيل فيها نظرا لفجوة اللغة.
يقول مدرّس مادة الجغرافيا خالد محمد الذي يعمل أستاذاً في مدرسة سورية في تركيا “نتائج الصدف الذي أدرسه متفاوتة جداً نتيجة المستويات المختلفة جداً للطلاب في الصف الدراسي الواحد فالعديد منهم متسرّب من المدرسة لفترات متفاوتة”.
ومن جهته يقول الأستاذ علي مصطفى “إضافة لصعوبة تعليم أطفال بمستويات معرفية مختلفة المنهاج، نعاني أيضاً من مشكلات سلوكية تصيب الطلاب المنقطعين عن المدرسة، فالطالب المنقطع يميل غالبا لأن يصبح سلوكه سيئاً تجاه المدرسة والمعلمين وقد يصل الأمر أحياناً إلى العدوانية”
وينعكس الإنقطاع عن المدرسة على الأستاذ المدرس كما الطالب، فعندما يرى الأستاذ طالباً في مستواه الحقيقي وإلى جانبه طالب أخر من نفس العمر والصف لكنه أدنى منه في المستوى التعليمي، “تخلق لدى المعلم مشكلة اعتماد مستوى تدريسي مناسب لكلا الحالتين “حسب تعبير عبد الله حاضري الإداري في مدرسة تابعة لـ”اليونيسيف” في تركيا. ويضيف حاضري: “الطالب المنقطع فقد ارتباطه بالمدرسة، وتنوع المدن في الصف الواحد ولّد لديه شعوراً بالخوف والحذر”.
للتقليل من الأضرار الناجمة عن التسرب من المدارس أطلقت “اليونيسيف” والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومنظمة إنقاذ الطفولة حملة تدعو لحشد مناصرين لأطفال سوريا كجزء من استراتيجية “لا لضياع جيل” ». وتهدف الحملة إلى تحسين حصول الأطفال على تعليم ذي جودة وتعزيز بيئة الحماية للأطفال. كما تسعى لتوسيع القدرة الاستيعابية الوطنية والحصول على التعليم والحماية للمجتمعات المضيفة ومنها تركيا.
كما ساهمت جمعية الشفقة العالمية إلى جانب الحكومة التركية بتطوير مشروع للطلاب السوريين، آخذة بعين الاعتبار مشاكل اللغة والتأقلم والتأخر عن التعليم، وعليه فإن عدد من المدارس الحكومية في مدينة إسطنبول أعتمدت على اقتراح إداريي الجمعية وبلغ عدد الطلاب السوريين في مدرسة أفجيلار الإعدادية 710 أطفال، بحسب موقع ترك برس.
الأستاذ ياسين محمد مدرس مادة الكيمياء في احدى مدارس “اليونيسيف”في تركيا يعتقد أن هناك عدّة حلول للمشكلة، منها “عزل الطلاب المنقطعين عن التعليم في صفوف واستدراك ما فقدوا وبذلك يعود الطالب إلى مستواه الطبيعي، ويندمج مع زملائه في الصف ذاته أو إقامة دروس في غير أوقات الدوام لكي يستدرك الطالب ما قد فاته من تعليم. كإقامة دروس خاصة في العطلة الصيفية وبهذه الطريقة نكون قد أدركنا بعض ما فقده هذا الطالب وارجاعه إلى المستوى المطلوب”. ويقترح على الأساتذة أتباع أساليب “التعليم العلاجي” كما يسميها في تعاملهم مع الطلاب المنقطعين، والتي تتلخص في عدة نقاط منها زيادة ثقة الطالب بنفسه وبناء شخصيته.
وإلى أن تصبح هذه الحلول واقعية وتطبق، مازالت ياسمين تجلس على مقعدها، ترسم رسمتها المبهمة، وفي رأسها أسئلة كثيرة، هل هي المرة الأخيرة التي تنقطع فيها عن مدرستها؟ هل ستنزح مع أهلها مرة أخرى؟ هل سيعودون؟ هل ستأخذ شهادة؟ عربية أم تركية؟…