إبداع فني للاجئ كردي سوري
"بعد عام من استقراره في هولير بدأ البيك الرسم باحتراف، ولجأ إلى استخدام الألوان الزيتية والقماش والفرشاة. وتطور عمله الفني إلى استخدام الاكريليك ثم خامات مختلفة في اللوحة."
هرب ماهر البيك من الحرب الدائرة في سوريا، ومن الخدمة الإلزامية مع جيش النظام التي تم استدعاءه لتأديتها. ضاعت أحلامه في إكمال دراساته العليا في جامعة حلب.
لجأ ماهر البيك إلى حيّ بختياري في مدينة هولير عاصمة إقليم كردستان العراق. حصل ماهر على الإجازة في الكيمياء من جامعة حلب عام 2009 وتقدم إلى الدراسات العليا، وبعد مجهود فكري وجسدي ومالي كبير، لم يستطع التقدم للدفاع عن أطروحته في الكيمياء بسبب الحرب وملاحقة النظام له لسوقه إلى الخدمة الإلزامية.
في هولير بدأ البيك بتنمية موهبته في الرسم التي كانت إحدى أحلامه. يقول ماهر لحكايات سوريا: “كانت لي مشاركات مميزة في أيام المدرسة عن باقي الطلاب. لم تكن مدارسنا ولا أهلنا يهتمون بالرسم والفنون، كان همّ الجميع أن يحصل إبنهم على علامات تخوله الدخول إلى عالم الطب أو الهندسة”.
وكحال عموم المدارس في المنطقة الكردية في سوريا، فإن مدارس ريف القامشلي للمرحلة الابتدائية كادت أن تكون خالية من أي شيء يمت للفن والرسم بصلة، إلّا ما ندر.
شارك البيك في معارض مدرسية في المرحلة الثانوية ومعارض على مستوى جامعة حلب، ويقول: “كانت مشاركاتي بسيطة استخدمت فيها القلم الرصاص”.
لكن بعد عام من استقراره في هولير بدأ البيك الرسم باحتراف، ولجأ إلى استخدام الألوان الزيتية والقماش والفرشاة. وتطور عمله الفني إلى استخدام الاكريليك ثم خامات مختلفة في اللوحة.
اعتمد البيك على نفسه وبجهود ذاتية وصل إلى مرحلة إقامة عرض خاص بلوحاته وعرض 40 لوحة فنية مختلفة وحقق نجاحاً لم يكن يتوقعه. القنصلية البريطانية في هولير اشترت 7 لوحات حملت توقيعه.
يشعر ماهر البيك بالفرح الشديد لطلب مجموعة من لوحاته في ايطاليا عبر اأحد أصدقائه الذين كانوا ضمن البعثة الأثريةالتي نقبت في قريته كري موزا الأثرية الواقعة على طريق عامودا القامشلي.
ورغم أنه لم يخضع لأي دورة في حياته في فنون الرسم أو غيرها، لا يخفي البيك اعتماده على الانترنيت للحصول على أجوبة عن أسئلة كانت تدور في مخيلته أثناء عمله.
حالة اللجوء والهجرة دفعت ماهر البيك للمشاركة في معرض للاجئين في أحدمخيمات اللاجئين في هولير، كتعبير عن إحساسه العميق بمن يشاطره معاناته وأوجاع الابتعاد عن البيت والأهل. لكن ضيق الوقت وعدم تفرغه للعمل الفني كان يحول دون مشاركته في عدد من المعارض الأخرى.
لم يخف البيك تأثر عمله بغلاء أسعار المواد اللازمة في الرسم. هو يدخر ما تيسّر من مرتبه في عمله الخاص ليصرف على موهبته الفنية. وأكثر المعوقات التي صادفته هي عدم اهتمام السياسيين بشكل عام بالفن والفنانين.
ماهر البيك يقيم في غرفة صغيرة تكاد تطبق على أنفاسه لصغرها، لكنه يجول العالم كله عبر لوحاته وخياله الفني الخصب الذي يسكبه في لوحات تعبّر عما في داخله. ويقول البيك: “أرغب بمساعدة ذي المواهب الفنية وكل من يهتم بالرسم والفن من اللاجئين والنازحين إلى إقليم كردستان العراق، بغض النظر إن كانوا كرداً أو عرباً، فإنا أرسم كي يتخلى الحاقدون عن أحقادهم”.
وعن أبرز اللوحات التي أثرت في نفسيته يقول البيك: “حين أتابع محطات التلفاز أسمع المذيع يقول، الطيور هاجرت إلى أوطانها، فقط نحن الكرد نفتقد إلى الوطن، أحلم بذاك اليوم الذي أرسم فيه خريطة وطني دون حدود مصطنعة”.
ويضيف البيك: “أنا أرسم لأني اشعر أن العالم بحاجة إلى من يعبّر عنه بغير اللغات المحكية وبغير الألفاظ المتعارف عليها. الجميع يتكلم عن الحرب، عن القتل، عن الدماء، عن المال والثروة. لكن قلة يتحدثون عن الحب والحنان والزواج والأقل يتحدثون عن الوطن وأهميته”.
ماهر البيك يشكر حكايات سوريا لاهتمامها بقصته ورسمه وموهبته، ويشكر الإعلام الكردي المرئي عبر معظم محطاته التي اهتمت بالمعرض المقام في هولير بشكل مميز.
الإحصائيات الرسمية لحكومة إقليم كردستان العراق تقدّر عدد النازحين السوريين إلى مدن الإقليم بحوالي 800 ألف لاجئ كردي من عموم المناطق الكردية في سوريا.