اللغة الإنكليزية تحضر بقوة في الحسكة

"عانت محافظة الحسكة من تهميش تربوي ولغوي كبيرين، بغياب المراكز التعليمية المعتمدة عالمياً. يضاف إلى هذا ما شهدته المنطقة خلال فترة سيطرة داعش. "

“أغلقت مدارسنا وضاعت نصائح والدينا للاهتمام بالمدرسة والدرس، إلى أين نذهب وماذا نفعل؟”. تسأل مران (12عاماً)، وتأسف لشعورها بأنها ستعجز عن تحقيق وعدها لوالدها أن تصبح أخصائية تغذية حين تكبر.
عانت محافظة الحسكة من تهميش تربوي ولغوي كبيرين، بغياب المراكز التعليمية المعتمدة عالمياً. يضاف إلى هذا ما شهدته المنطقة خلال فترة سيطرة داعش. وشهدت المحافظة أخيراً افتتاح أكثر من مركز تربوي ومنها مراكز لتعليم اللغة الانكليزية.
هشام عبد الرحمن مدير معهد لينغوا فون في محافظة الحسكة، يقول: “نعتمد المنهاج والطريقة نفسها المتبعة في كل فروع لينغوا فون. لكننا نراعي الظروف المادية للأهالي، ونقدم أفضل عروض التقسيط والدفع المريح بما يتناسب مع ظروف جميع الشرائح الاجتماعية كما يلجأ المركز إلى تسجيل أبناء الشهداء بالمجان في المركز”.
ويصرح عبد الرحمن لحكايات سوريا: “الظروف والمعطيات اليوم جعلت من تعلم الانكليزية حاجة ماسة لبناء مستقبل مضمون للأبناء، وهو ما دفع الأهالي إلى إرسال أبنائهم خاصة الصغار الذين ظلموا في هذه الحرب” إلى معاهد اللغة ومنها لينغوا فون”.
إقبال مختلف الشرائح على تعلم اللغة دفع بالمركز إلى افتتاح فروع في كل من المالكية والحكسة. ويسعى المركز إلى افتتاح فروع أخرى في كل من معبدة، وعامودا بغية توفير المكان المناسب للطلاب وتوفير عناء السفر والتنقل بين المناطق لتعلم اللغة.
ويكشف هشام عن “مشروع لفتح سنتر بريطاني لتعليم اللغة الأكاديمية ولغة الاختصاصات المختلفة، وتعليم الأطفال للغة الحساب ولغة التفكير”.
بروين وسارا ومحمد وعُلا وغُصون طلبة إحدى مجموعات تعليم اللغة الانكليزية في المعهد، كبرت همومهم لتفوق حجم عقولهم وقلوبهم. فمشكلة المدارس لم تُحل بعد، ولا تزال العقبات تعترض طريق تطبيق منهاج متفق عليه.
ويبدو من الصعوبة بمكان ضبط تركيز الطلاب بين اللغات الكردية والعربية والانكليزية مع غياب المدرسة والأهداف السلوكية والتربوية نتيجة الصراعات السياسية. لكنهم جميعاً وجدوا ضالتهم في المركز بدلاً من المدارس.
بعفوية الصغار كانت دلدا تقول: “أنا لا أفهم من آنستي في المدرسة لكن مُعملتي في المعهد أجمل وأحلى وأرغب بالاستمرار هنا”.
جميع الطلاب التقوا حول تعلّم اللغة الانكليزية ولم يعد يهتم أحد منهم بتعلم لغته الأم في المدارس. تقول سارا: “بدّلت 3 مدارس والأخيرة كانت المدرسة التي يديرها أبي. ولكن الطلاب هناك كانوا مشاغبين وكسولين فتركتها”.
من جهتها المختصة بتعليم الأطفال في المعهد زبيدة الجزاع تقول لحكايات سوريا: “نقسم الطلاب إلى مجموعات تتناسب وأعمارهم ومستوياتهم في اللغة. وللأطفال 6 مستويات مدة كل مستوى شهرين ولكل مستوى كتاب خاص واختبارات شفهية وكتابية”.

وتضيف الجزاع: “كل طالب يتقدم بالتسجيل يخضع لفحص تحديد مستوى، لعدم خلط المستويات الجيدة والضعيفة معاً، وحرصاً على سلامة وأمن الطلاب يتكفل المعهد بتخصيص حافلة خاصة للأطفال لنقلهم من البيت إلى المركز وبالعكس، ويتم التواصل مع الأهالي بشكل دائم في حال أي غياب أو تراجع في اللغة.

حسن طاهر وهو طالب دراسات عليا في التجارة والإقتصاد يقول: “لا أعتقد إن وجودنا هنا هو ترف لغوي. نحن ننتمي إلى جذور ثقافية ولغوية قُمعت على مدار عقود، حُرمنا من لغتنا، وكتحصيل حاصل فإن اللغة الانكليزية كانت من ضمن حملات فرض الجهل والأمية. اليوم كشباب نَقصِدُ المعاهد المُختلفة، بغية كسب مهارات لغوية تساعدنا على نقل إرثنا وهمومنا إلى العالم الأخر بلغته هو”.
ويضيف طاهر: “نحاول أن يكون تعاملنا مع اللغة الإنكليزية في المعهد خارج إطار تعلم اللغة بقصد المنفعة للاشتغال الوظيفي وحده. يقيناً كسِبنا بعض المهارات ولا نزال بحاجة الى المزيد، المعهد وحده غير كافٍ لكسب جميع مهارات اللغة، لكنها مرحلة ضرورية”.
المُدرسة هزار حسن ينحصر همها كما تقول لحكايات سوريا بـ “تشجيع الجميع وخاصة الجيل الجديد على تعلم اللغات لكونها صلة الوصل بين الكائنات والشعوب”. وما شجعها على العمل في المعهد بعد بلوغها سن التقاعد هو ما يتميز به المعهد من عراقة وسمعة.
هزار حسن ترغب بمنح ما اكتسبته خلال عقود عملها في سلك التربية من مهارات وخبرة في مجال صقل شخصية الشباب بمهارات اللغة السمعية واللفظية وتقديم الأفضل لهم. هزار ترفض أي تعارض ما بين تعلم لغة أجنبية واللغة الأم، وتصر أنه “لا يمكن اجتثاث أي لغة أم مهما بلغت القوة” وترى أن الأدب واللغات المُقارنة بعضها ببعض تضيف جمالية للغات جميعها.
وترى هزار حسن أن اللغة الأم واللغة الأجنبية غير متصارعتين بل أن اللغة الأم تبقى كياسمينة دمشق بيضاء وجميلة مهما خانتها الفصول. وهي تعتقد أن التعليم في المدارس يتقيد فقط بالمطلوب أما في المعهد فتنمّى آفاق الملِكات اللغوية والعقلية وكلاهما يكمل بعضه بعضاً. وتشعر هزار براحة كبيرة حين تتلمس تطورا ملحوظاً لدى الطلاب والمهتمين باللغة.
المحامي معاذ اليوسف ولي أمر مران ومايا وجد في حكايات سوريا المنبر الأفضل للتعبير عن همومه. ويقول: لم يعد لنا من متنفس سوى هذا المعهد، ضاع الأولاد بسبب إغلاق المدارس، وغياب التمكين والطرائق التدريسية الصحيحة في تعليم اللغة الكردية، لكن المشكلة الأكبر هي الخلط بين تعلّم اللغة الكردية والتعليم باللغة الكوردي”.
وأمام حيرته وحسرته لضياع مستقبل أبنائه لم يجد اليوسف بديلاً سوى اللينغوا فون لتعليم ابنتيه لغة أجنبية علها تعوض غياب المدرسة والجانب السلوكي والتربوي.
وتشهد مدن ومناطق محافظة الحسكة إقبالاً شديداً على كسب مهارات اللغة الإنكليزية سواء للحصول على وظيفة مُعتبرة، أو لتأمين مستقبل سياسي، أو لضمان العمل مع المؤسسات والمراكز الأجنبية التي باتت تَكثُر في المحافظة.