زواج الأكراد رهن تفاهم الأحزاب

على هذا الرصيف وتحت تلك الأشجار كانا يلتقيان تصوير شفان ابراهيم

على هذا الرصيف وتحت تلك الأشجار كانا يلتقيان تصوير شفان ابراهيم

"وينقسم الأكراد في سوريا بين تيارين كبيرين. يقف من جهة تيار البرزاني نسبة إلى مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مصطفى البارزاني. وفي الجهة الأخرى يقف تيار الأبوجين نسبة إلى مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان "

شفان إبراهين

كان جان (33 عاماً) يسعى دوماً للاقتران بفتاة تتمكن من فتح قلبه مُجدداً، وتحمل معه هموم حياته المقبلة، وجد ضالته لدى برين (26 عاماً) التي كانت تحلم بالزواج من شاب يحمل تطلعات مستقبلية وتحصيلاً علمياً جيداً.
وفي الوقت الذي ينشط فيه جان ضمن صفوف المجلس الوطني الكردي، كانت عائلة برين من أوائل من انضموا إلى صفوف العمال الكردستاني منذ بدايات الثمانينيات من القرن الماضي، وكانت الثقافة السائدة في العائلة كفيلة بخلق نوع من التعاطف والتأييد لطرف سياسي أكثر من الآخر.
وينقسم الأكراد في سوريا بين تيارين كبيرين. يقف من جهة تيار البرزاني نسبة إلى مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مصطفى البارزاني. وفي الجهة الأخرى يقف تيار الأبوجين نسبة إلى مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المعتقل منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي.
ونتيجة لاختلاف التوجهات السياسية الفكرية ومنطلقات حلّ القضية الكردية بالنسبة للتيارين، ينقسم المجتمع بشكل أكثر حدة من الاختلاف السياسي.
يقول جان لحكايات سوريا: “كُنا متفقين على ضرورة إبعاد شبح الخلافات السياسية عن عُشنا المستقبلي، لم تكن لديها أي مشكلة في البداية لانتماءاتي السياسية وقناعاتي، وهي الأخرى لم تكن تحمل أي ضغينة أو كره لأي طرف سياسي”.
تغيرت الأمور وتبدلت الأفكار مع كل خلاف بين الطرفين. وتقول برين لحكايات سوريا: “المشكلة هي في نوعية تفكير من حوليّ، لا أجد نفسي إلا وأنا منخرطة في نقاشات أو تبادل للآراء حول مواضيع عديدة، أغلبها ضد المجلس الوطني الكردي”.
برين طبيبة عيون زارها جان لأول مرة كمريض، وتتالت الزيارات لاحقاً بحجة المرض تارة، وبحج معالجة أحد الأصدقاء تارةً أخرى. كانت الحديث عن روايات غيوم ميسو وباولو كويلو كفيلاً بالتقريب بينهما، وتطور الأمر لدرجة البدء بقراءة الرواية ذاتها وفق توقيت واحد.
برين كانت تقول دوماً لجان: “شغفك بالقراءة واندفاعك للحياة جعلاني أجد في شخصك ما أحلم به”. أحلام برين تساقطت مع تكرار الهزات والضربات جراء تصاعد وتيرة الخلافات السياسية. فتعرضت علاقتهما إلى شدّ وجذبٍ، كانت الرغبة بالزواج أقوى من أي رغبة أخرى.
ذات مرة أسرت إحدى شقيقات برين إلى جان قائلة ” أول ما تسأل عنه والدتي من أي راغب بالزواج من أسرتنا، هو انتمائه السياسي” يتحدث جان عن شعوره الممزوج بحسرة نمطية التفكير ومآلات علاقته المُعقدة بتأثير الشرخ المجتمعي الحاصل على قاعدة ضرورة ولزومية تقسيم المجتمع الكردي إلى شطرين.
يقول جان: “ثمة حلقة مفقودة لا أستطيع الوصول إليها، في البداية لم تكن التوجهات السياسية مشكلة، ولم تكن برين مهتمة لهذه الخزعبلات والأفكار البالية، ثمة ما غير المعادلة بيننا، وجعلها تتجه نحو القطيعة الغير مرغوبة من كِلينا”.
التفكير الجديد لدى برين دفع بجان للتواصل عبر الهاتف الأرضي مع أحد أفراد عائلتها. يصف جان صدمته بتفكير الطرف الأخر قائلاً: “قالوا لي أخلاقنا ليست واحدة، خاصة في مجالسنا وسهراتنا، لازلت أضحك كثيراً”.
لم تشفع لقاءاتهما في الأماكن العامة، ولا ما خططا له سوية لحلحلة الأمور بينهما. جان لا يملك تفسيراً لما يجري.
تقول برين: “يبدو أننا نتجه صوب إعادة ترتيب أوراق حياتنا، منفصلين عن بعضنا البعض، لسنا مقتنعين بهذه الأسباب، لكنني أتشوق لذلك اليوم الذي أجده قد أنهى تحصيله الأكاديمي العالي، زرع في داخلي شعوراً جميلاً لنكني لا أقوى على المواجهة مع وسط جعل من إلقاء تحية الصباح مرهوناً بالتوجهات السياسية للأخر”.
الأكاديمي حسن طاهر والمطلع على أدق تفاصيل العلاقة يقول لحكايات سوريا ” كانت الأمور ممتازة، خاصة من طرف برين التي تقبلت كل ما يتعلق بتوجهات وقناعات جان، لكن الأمور تغيرت فجأة”.
كان الطاهر من المقربين جداً للطرفين ومن المشجعين على الارتباط بينهما وعدم الالتفات إلى التناقضات السياسية. ويكمل الطاهر لحكايات سوريا قائلاً: “أعرف جان منذ أعوام وهو يحمل تفكيراً مغايراً لمن حوله، يهتم بالحياة ومندفع نحو الحبّ والتخطيط المستقبلي”.
يستغرب الطاهر قرار برين إنهاء العلاقة خاصة بعد الجهد الكبير الذي بذلته لإطلاق سراح جان بعد اعتقاله قبل فترة. ويضيف الطاهر: “لم تدخر برين جهداً في سبيل إطلاق سراحه بعد اعتقاله، كانت دائمة التواصل مع أسرته، ومع الجهات التي تملك قرار إطلاق سراحه، وخوفها الدائم عليه. كل هذا جعلني لا أصدق أن العلاقة انتهت”.
يأسف الطاهر لنمطية تفكير بعض الجهات السياسية التي تدخل لإجهاض أي بادرة ودّ أو تقارب قائلاً: “أعتقد أن العلاقة انتهت، ومعها فُتح معه باب التقوقع المجتمعي بشكل دائم”.
تتأسف الناشطة المدنية أورشينا حنا على المنغصات الجديدة للعلاقات العاطفية فتقول: “كنشطاء مجتمع مدني نسعى لتغيير الأفكار الغير مناسبة مع العصر الحالي، لكننا نفاجأ دوماً بعقليات غريبة، لكن الأغرب أن يكون الانتماء السياسي سبباً في منع قطف ثمار علاقة بين طرفين يرغبان ببناء عُش الحياة الزوجية”.
وتكمل حنا حديثها لتعمم المشكلة على جميع المكونات: “القطيعة المجتمعية بسبب الخلافات بين التيارات السياسية أصبحت مستفحلة لدى كافة المكونات الكردية، العربية، السريانية والأشورية، لكنها تجد طريقاً سهلاً لدى الكرد بشكل خاص بسبب سيطرة أطراف على أطراف أخرى ما أدى إلى بروز هذه الظواهر بشكل طافح وكبير”.
حنا تؤكد على قدسية علاقة الحبّ بين الطرفين وتدعو إلى ضرورة أن يكون أقوى من قضية التناحر السياسي، خاصة وأن العاشقين يدفعان فاتورة خلافات الأهل وتضيف: “أنا أرفض هذه العقليات، ونحن نسعى لتغييرها، لكننا نصطدم بجدار التخلف”.
المرشد الاجتماعي هيثم جميل يقول لحكايات سوريا: “غالباً ما يكون لأحد الوالدين الدور الريادي في تحديد مصير ومستقبل الابناء، وبسعى الأبناء للتضحية وتلبية طلباته على حساب سعادتهم”.
ويضيف جميل حول الماهية المتحكمة بالعلاقات الاجتماعية من قبل التنظيمات السياسية قائلاً: “لدى جميع الجهات السياسية ثمة تيارات وتوجهات متباينة، وهناك من يخشى أن تكون أي خطوة على الصعيد المجتمعي مادة سهلة لمنافسيه يتم استغلالها ضده، لذا جميعم يسعون للاستفادة من الطاقات البشرية في سبيل خدمة أجنداتهم وطموحاتهم وإن على حساب أي قيم معيارية أخرى”.
برين وجان كل تمسّك بقناعاته على حساب عاطفته. تباعد الطرفان جراء اختلاف توجهاتهما السياسية، ما دفع بكل منهما للبحث عن خيارات جديدة، في مشهد يشبه الحياة في سوريا.