وفرحت بالعطلة الصيفية اكثر من ولديّ

: طفلات سوريات يلعبن داخل سيارة مدمرة في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا

: طفلات سوريات يلعبن داخل سيارة مدمرة في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا

"كنت أضغط على نفسي كي لا أشعرهما بتعبي، فهما يجدان صعوبة في التعلّم لأن المنهج أصبح كلّه باللغة التركية. وهما لم يتعلّما إلّا القليل من الكلمات."

بعد وصولي بفترة قصيرة إلى المدينة الجديدة التي انتقل إليها عمل زوجي، بدأت بترتيب حياتي. ربما تكون على مكان سكننا الدائم، ربما!
كانت المدارس على وشك البدء بعامٍ دراسي جديد. وكان لابد من البحث عن مدرسة تستقبل ابني وابنتي. ابني كان يفتروض أن يكون في المرحلة الثانية الإعدادية، ولكن بسبب سوء الأوضاع في سوريا، تخلف سنتين عن الدراسة. هو اليوم في الصف السادس. أمّا ابنتي فستبدأ سنتها الأولى من الدراسة.
في مدينة أديامان أعداد السوريين والعرب قليلة جداً، على عكس مدينة الريحانية، غالبية سكانها إما عرب، أو يتحدثون العربية. هناك لم نضطر حتى لتعلّم اللغة التركية للتعامل معهم.
تعرفت على جارة تركية تتحدث القليل من العربية. كانت تكبرني بعشرة أعوام تقريباً، وكانت لطيفة معنا منذ وصولنا. ودائماً تسألنا إن كنا نحتاج إلى شيئ، وإن احتجنا يجب أن نطلب منها دون خجل.
طلبت منها ان تأخذني الى اقرب مدرسة لأولادي. وفعلاً لم تتردد لأن مدير المدرسة كان قريبها. تواعدنا في الصباح وذهبنا الى المدرسة. دخلنا غرفة المدير الذي رحب بنا عندما شاهد قريبته. طلب لنا الشاي، وجلسنا نتحدث عن كيفية قدومي وسببه، وسألني عن عمر طفليّ، وعمل زوجي، ومكان السكن.
أشكر الله أن جارتي كانت معي، فمدير المدرسة لا يتحدث العربية أبداً، وأنا لا أتحدث التركية. طلب المدير منا الهويات المؤقتة التي كنا نحملها، وباشر في تسجيلهما. كان أيضاً شخصاً محترماً ولم أتعرض لأية مشاكل في تسجيلهما.
استغرق اللقاء مع المدير قرابة الساعة، وكان لا بد من أعود لأجهز الطعام لزوجي الذي اقترب موعد عودته من عمله. فأشرت لجارتي بأنه علينا الذهاب واستأذنت المدير بالخروج. أصر المدير أن يطلعني على أقسام المدرسة. ربما ليجعلني أطمئن أن ولديّ سيكونان بأمان هنا.
أخبرني المدير أن هناك باصات تنقل الطلاب من أمام منازلهم إلى المدرسة. فأخبرته اني سأفكر في هذا الأمر لاحقاً. كانت أقرب مدرسة تبعد عن البيت الذي نقيم فيه قرابة 15 دقيقة سيراً على الأقدام.
وضعنا المادي لم يكن يسمح لنا بتسجيلهما في باصات المدرسة. عمل زوجي لن يستطيع سد كل هذه المصاريف، بين إيجار البيت ومصاريفه، كنت مضطرة أن اوصلهما يومياً حتى باب المدرسة، وأعود لآخذهما عند نهاية الدوام. وأحياناً يذهب زوجي بدلاً مني عندما يستطيع.
كنت أ أكثر من يعاني في موضوع دراستهما، إذ أن تواجد زوجي في البيت قليل جداً بسبب ظروف عمله. كان علي أن أصطحبهما الساعة 7 صباحاً وأعود لآخذهما عند الـ 12 ظهراً. كان أمرا متعباً جداً، فعليّ أن أنظف البيت وأحضر الطعام، والمسافة إلى المدرسة ليست قصيرة.
كنت مضطرة لكل هذا، فلم أستطع أن أرى مستقبلهما يضيع وأجلس أتفرج. كنت أضغط على نفسي كي لا أشعرهما بتعبي، فهما يجدان صعوبة في التعلّم لأن المنهج أصبح كلّه باللغة التركية. وهما لم يتعلّما إلّا القليل من الكلمات. كنت دائماً أطلب من أبناء جارتي مساعدتهما في واجباتهما المدرسية.
كان استيعاب طفليّ بطيئاً بعض الشيء. وكان يصل الأمر مع ابنتي إلى رمي الكتب والبكاء والصراخ، والتهديد بأنها لن تذهب إلى المدرسة. وأنها تريد العودة إلى سوريا والتعلم هناك. فهي لا تستطيع فهم شيء من اللغة التركية.
كنت أتركها حتى تهدأ قليلا، وأذهب لاشتري لها أي شيء من البقالة وتعود لدراستها. وأحيانا أصرخ عليها وأوبخها، كنت أعرف في داخلي أن تعلم المنهج التركي صعب عليها. ولكن لم اظهر لها هذا كي لا تتشجع وتكره الدراسة. كنت أشجعها وأخبرها أنها لغة سهلة وإن عدنا الى سوريا فتعلم اللغات مهم جداً بالنسبه لأي شخص، وأطلب منها أن تكون مجتهده لتصبح ما تطمح إليه..
كانت ابنتي تحب الديكور منذ صغرها، وتردد أنها ستكون مهندسة ديكور في المستقبلز كنت أذكرها بحلمها، أحياناً كانت تقتنع وتعود للدراسة وأحياناً تلجأ للنوم أو ادعاء المرض وبطنها يؤلمها.
أمّا إبني فكنت أعلم أنه لا يحب الدراسة ولا المدرسة. كان يحب مهنة الحدادة، لم أكن اعارض حبه لهذه المهنة، ولكن أيضاً أشجعه على إكمال تعليمه، وبعدها إكمال المهنة التي يحب بعد إنهاء دراسته. ولكنه لم يكن يفعل كما تفعل أخته. كان يتعلم وينهي وظائفه ويجلس لمتابعة برامجه المفضله في التلفاز بكل هدوء. لم اجد صعوبة معه مثل اخته. ربما لأنها الصغيرة والمدلله والوحيدة أيضاً.
انتهى العام الدراسي، كانت نتائجهما جيدة بالنسبة إلى الصعوبات التي واجهاها. بصراحة تنفست الصعداء. وشعرت بالسعادة بالعطلة الصيفية اكثر من ولديّ. لا أعرف السنة المقبلة كيف ستكون، ولا أعرف ماذا تخبئ لنا الأيام القادمة. هل سأكون في هذه المدينة أم أنني سأنتقل إلى مدينة جديدة ومكان جديد أيضاً!
فاطمه إبراهيم (38 عاماً) ربة منزل، أم لثلاثة أطفال. نازحة مع أسرتها في تركيا حيث تبحث عن عمل.