رحلة البحث عن عروس سورية

انسة سورية تعطي درساً لاطفال نازحين داخل خيمة أقيمت كمدرسة مؤقتة لتعليم الأطفال في بلدة الغارية الشرقية بريف درعا

انسة سورية تعطي درساً لاطفال نازحين داخل خيمة أقيمت كمدرسة مؤقتة لتعليم الأطفال في بلدة الغارية الشرقية بريف درعا

"بدأت رحلة بحثنا عن العروس المناسبة. طلبنا من الأقارب والجيران والمعارف في سوريا إخبارنا في حال معرفتهم بفتاة مناسبة لعمر أخي ووضعه."

كان أخي الكبير قد بلغ سن الزواج. وتوجب علي وإخوتي البحث عن عروس مناسبة له. إذ أن ظروف عمله وساعاته الطويلة لا تسمح له بالبحث بنفسه. بالإضافه إلى كونه خجول جداً للحد الذي لا يسمح له بالارتباط بأي فتاة. فور إخبارنا برغبته بالزواج، باشرت وأخواتي بالبحث عن فتاة مناسبة.
كنّا نلح عليه جداً في أمر الزواج. إذ أن أمي إمرأة في الستين من عمرها. أصبحت وحيدة في منزل كبير بعد أن تزوجنا جميعاً. كانت مريضة بالسكري والضغط، ولا يمكن لها أن تحمل مسؤولية منزل وهي بهذه الظروف.
لم يكن الأمر بالسهوله التي كنا نتوقعها. كان إيجاد الفتاة المناسبة صعباً للغاية. إذ أن اخي شاب طويل القامه ويحتاج فتاة تناسب طوله. بالإضافه الى أننا نحتاج فتاةً من بيئتنا الريفية، تعرف كيفية حياتنا وتتأقلم معها.
كما هو معلوم لدى الجميع، حياة الريف بعيده عن حياة المدينة كل البعد. أبناء الريف حياتهم مختلطة، رجال ونساء وجلسات وسهرات. ومن النادر ان تجد فتاة تغطي وجهها كاملاً، وإن وجدت فهي لا تغطيه عن أقاربها. بالإضافة إلى أن ظروف أهل الريف أقل ترفاً من المدينة. أبناء المدينة غالباً ما يكون محرم على النساء الحديث مع الرجال. ولو في جلسة عامه، إلّا أقرب المقربين.
ومن هنا بدأت رحلة بحثنا عن العروس المناسبة. طلبنا من الأقارب والجيران والمعارف في سوريا إخبارنا في حال معرفتهم بفتاة مناسبة لعمر أخي ووضعه. وكان كلما جاء أحدهم ودلّنا على فتاة ذهبنا لرؤيتها، أو أحضرنا صورتها، عرضناها على اخي. ولكن دون جدوى.
استمر البحث عن عروس أكثر من سنة! وكان قد رأى عشرات الفتيات، ولكن لم يحب أي واحده منهن على حد قوله. إلى أن وجد أبي العروس المناسبة. كانت العروس إبنة صديق أبي وقد رآها خلال زيارته لصديقه، في إحدى القرى المجاوره لقريتنا. رحبنا جميعاً بالفكرة، إذ أن صديق أبي كان رجلاً محترماً ومن بيئة تشبه بيئتنا كثيراً. حياة ريفية بسيطه.
عرض والدي الفكرة على والد العروس الذي لم يتردد بقبول طلب أبي، كونه يعرفه ويعرف اخوتي جيداً. ولكنه طلب من أخي السفر إلى سوريا للتعرف على عروسته عن قرب، وأيضاً لتتعرف عليه العروس. صحيح أن والدينا اصدقاء لكن لم نعد نتذكر حتى شكل العروس. خمس سنين من الغياب عن الوطن لم تكن سهلةً ابداً.
تردد أخي قليلاً عندما اقترب موعد سفره إلى سوريا لرؤية العروس. لم نفهم تردده في اللحظة الأخيره، ولكننا ظننا أنه أحس ان الامر أصبح جدياً فعلاً، وعليه أن يتحمل مسؤولية عائلة.
في منتصف شهر أبريل/نيسان ذهب أخي إلى سوريا لرؤية عروسه المنتظره. كنا جميعاً متوترين مثله، فقد كنا نعرف مزاجه الصعب. وكنا نضع احتمالاً كبيراً أنها لن تعجبه. وسيعود صفر اليدين دون خاتم خطوبه. فقد كان من المقرر ان يتم تلبيس خاتم الخطوبه فور اتفاق العروسين، ليصبح كل شيء رسمياً ويتم التعارف بينهما عن قرب أكثر.
حل المساء وبدأ التوتر يزداد. كنّا ننتطر رسالة هاتفيه من أخي عن قراره. وإن كانت العروس أعجبته أم لا. وقرابة العاشره ليلاً اتصل أخي يخبرنا أن العروس نالت إعجابه، وأنها الوحيده التي دخلت قلبه على حد قوله. وأخيراً أخي سيتزوج. بدأت أمي بالبكاء، ونحن نضحك بأعلى صوت ونسأله إن كان جاداً أو أنه يمزح. ولكنه أكد لنا أن ما يقوله صحيح. وستكون العروس في بيته في أقرب وقت.
استمرت زيارة أخي لسوريا يومين، وعاد بعدها بسبب ظروف عمله. ولكنه لم يعد صفر اليدين مثل ما توقعنا. عاد وبيده خاتم الخطوبه. استقبلناه بالمباركات، وجلسنا نحضر ليوم الزفاف، لأنه لم يكن يريد أن تكون فترة الخطوبه طويله. فهو لا يستطيع أن يذهب لزيارة العروس بسبب صعوبة الخروج والدخول إلى تركيا.
وبالفعل تحدد موعد الزواج، وبدأت العروس بتجهيز مستلزمات العرس. وبدأ اخي بتجهيز المنزل ونحن بتجهيز أنفسنا لهذا اليوم الذي ننتظره منذ عامين تقريباً. وجاءت العروس في الموعد المحدد وبدأ التحضير ليوم الزفاف البسيط، الذي كان يقتصر على العائلة وبعض المقربين فقط بسبب الأوضاع في سوريا.
والحمدلله تم كل شيء على أكمل وجه. انتهى حفل الزفاف وكان على أخي أن يسافر وزوجته للقيام بشهر عسل في اسطنبول. اليوم يكمل اخي عامين من الزواج. زوجة أخي انسانه طيبه ومحترمه. واختيار والدي لم يكن خاطئاً. وكانت هذه العروس عند حسن ظن الجميع بها.
ولكن رحلة البحث عن العروس لا زالت عالقةً بذهني وكأنها البارحه. و كأنه حلم وكأننا لم نرهق أنفسنا بالبحث عن عروس مناسبه. أصبحنا نتذكر تلك الأيام ونضحك عليها، بعد ان كانت تغضبنا في وقتها. آمل أن تستمر سعادة اخي وزوجته وينجبا الأطفال الذين لم يرزقا بهم إلى الآن لتكتمل سعادتهما وسعادتنا.
فاطمه إبراهيم (38 عاماً) ربة منزل، أم لثلاثة أطفال. نازحة مع أسرتها في تركيا حيث تبحث عن عمل.