حرب صغيرة عند الحدود هجرتنا مجدداً

امرأة سورية تحمل كالون من الماء في مخيم الرفيد بريف محافظة القنيطرة.

"واليوم أكتب الاحداث وكأنها كانت خيالاً. وأحمد الله ان الوضع لم يتأزم أكثر، نحن گسوريين أكثر من كان سيتضرر، فلا مكان آخر نذهب إليه."

بعد الحرب والصراعات في سوريا، أصبحت الحدود التركية مهددة من قبل الميلشيات الكرديه. أعلنت تركيا أنها ولتأمين حدودها ستقوم بعملية عسكرية، لم تحدد موعدها، لتحرير مدينة عفرين التابعة لمدينة حلب، والتي تقع عند الحدود.
بعد أكثر من شهر على إهذا الإعلان لم يتغير أي شيء. ظنّ الجميع أن الموضوع مجرد كلام لا اكثر. عند الساعة الرابعة من عصر يوم 20 يناير/كانون الثاني 2018، كان الجميع يمارس حياته الطبيعية، الجو هادئ ولا ينبئ بحدوث شيء. وفجأة انهمرت قذائف لا ندري مصدرها على مدينة الريحانيه! كان الناس قد اعتادوا الهدوء. بعد التفجير الذي حدث عام2013، لم تشهد المدينة أحداثا تذكر.
هرع الناس إلى بيوتهم، وبعضهم توجه إلى مكان سقوط القذائف للاطمئنان على أقارب أو أصدقاء. قذيفتان سقطتا أحدثتا رعباً كبيراً. بدأ الناس بالنزوح من المدينة فوراً. عرفنا بعد قليل أن العملية العسكريه التي أعلنت عنها السلطات التركيه قد بدأت. وأن القذائف التي وصلت مدينة الريحانيه كان مصدرها الأراضي السوريه وقد أطلقها الاكراد رداً على العملية.
بدأ القلق يزداد، والناس تتصور السيناريوهات وأن الأكراد سيدخلون ويذبحون كل من في المدينه. وبدأت مكبرات الصوت تنبه الناس لملازمة بيوتهم. كان بيتنا الأكثر أمانا تقريباً. إذ أنه طابق أرضي محاط بالأبنيه. لهذا كان كالملجأ، فإجتمع عندنا أهلي والجيران. وكان عددنا يقارب العشرين. الكل خائف ومتوتر ولا يعرف ما القادم. وهل سيدوم هذا الحال أم أن الموضوع انتهى عند هاتين القذيفتين.
اقترح أخي ان نذهب هذه الأيام ونبقى عند اختي التي كانت تقيم في انطاكيا. وتبعد عن الريحانيه قرابة الساعه. وتعتبر أكثر أمانا ولن تصلها القذائف الكرديه. وافقت على الفور، فطلبنا سيارة أجره بعد جهد إذ أنه في هكذا ظرف لا يمكن أن تجد سيارة بسهولة. أخذنا ما يكفينا من ملابس ليومين أو ثلاثه. حيث توقعنا أن العمليه لن تطول أكثر من ذلك.
حضرت السياره قرابة الساعه التاسعه مساءً، ركبنا فيها أنا وأمي وأختي والأطفال. بقي الرجال في البيوت خوفاً من سرقة المنازل. فهي فرصة اللصوص. سلكت السيارة طريقاً زراعية للوصول إلى مدينة انطاكيا. وبمجرد أن خرجنا من مدينة الريحانيه حتى وجدنا الحياة هادئه جداً وطبيعيه.
تنفسنا الصعداء بعد أن كنا قد ظننا أننا سنموت تحت القذائف الكردية من شدة خوفنا. وخاصة امي، التي كانت مصابة بمرض السكري والضغط. كان أكثر خوفنا عليها أن يصيبها شيء. وكنا جميعاً نمثّل أمامها أن الوضع طبيعي وأنه لن يتكرر. ولكن بداخلنا نعرف أن الأمر صعب جداً.
وصلنا بيت أختي التي استقبلتنا وزوجها بضحكة الفرح. فقد كان يبدو عليها أنها كانت خائفة علينا جداً. حضّرت ابنة اختي القهوة على الفور قائلة: “لكي تهدأ اعصابكم”. فعلا كنت بحاجة القهوه. جلسنا نشرب القهوه ونسرد ماحدث وكيف كان الصوت قوياً ونطمئن على الجيران الذين لم يتركوا المدينة.
نظرت إلى الساعة فوجدتها قرابة الثالثة فجراً، لم أعرف كيف استطعت السهر لهذا الوقت المتأخر، أنا التي اعتدت النوم عند الساعة 10 مساءً. اعتذرت وذهبت للنوم وتركتهم يكملون سهرتهم التي لم اعرف الى متى استمرت.
أقمت في منزل أختي يومين. لم أستطع الإقامة أكثر فقد شعرت بالحرج. المنزل كان متوسط المساحة، ونحن تقريباً 10 أشخاص وعائلة أختي 8، فقررت أن أعود والتزم بيتي. وصلت بيتنا وكان زوجي فيه، لم يخرج أبداً. تركت ابنتي عند خالتها، لأنها كانت صغيره وسيطر عليها الخوف أكثر منا.
استمر حال القذائف ما يقارب 20 يوماً. لم نعرف طعم النوم بسبب القلق من سقوط قذيفةً فوق رؤوسنا في أي لحظه. عدا صوت المروحيات التركية والصواريخ التي كانت تمر من فوقنا. بعدها جاء خبر السيطرة على الجبل الذي كانت تطلق منه الصواريخ على المدينة. تنفسنا الصعداء.
ولكننا لم نكن متأكدين إن كان الخبر صحيحاً أو مجرد تهدئة. وبالفعل مرّ اليوم الأول ولم تسمع أصوات قذائف. ومر اليوم الثاني والثالث. حينها صدقنا الكلام فعلاً وشعرنا بالراحة. وبدأت الناس تعود تدريجياً إلى بيوتها ولكن بشيءٍ من الحذر والخوف.
بعد هذا الخوف الذي مررنا به، وشيئاً فشيئاً عاد كل شيء كما كان. زار نائب عن الرئيس التركي ذوي الضحايا الذين بلغ عددهم 5 على ما أذكر، وقدم التعويضات لكل بيت متضرر. ارتاحت النفوس قليلا،ً وبدأ التوتر يهدأ.
كانت حرباً بكل معنى الكلمة. لم أكن قد نسيت هذه الاصوات فقد سمعتها في سوريا وبقوة أكبر، ولكن كان الخوف يسيطر علي هنا أكثر، لم أعرف السبب. واليوم أكتب الاحداث وكأنها كانت خيالاً. وأحمد الله ان الوضع لم يتأزم أكثر، نحن گسوريين أكثر من كان سيتضرر، فلا مكان آخر نذهب إليه.