وسينتصر الأمل على الحرب

هي فتاة عرفتها منذ مدة ليست ببعيدة، وجدت لديها التصميم وقوة إرادة لم أكن قد رأيتها عند أحد يحمل كل هذه الهموم التي تحملها.

اختارت أمل إسماً لها، لتروي حكايتها. هي امرأة في ريعان شبابها خريجة جامعية، سعت بكل قوتها ونشاطها الّا تقف متفرجة حيال ما يجري في الوطن.  تقول “أحببنا هذه الثورة، لا وبل عشقناها. أيدنا أن تكون سلمية وكل ما كانت تحويه من مبادئ. وقفنا إلى جانب شبابها، وكنا نطمح لبناء وطن حر ومتكامل خال من الذل والظلم والعبودية. كنا فقط نطمح للإصلاح ولا شيء غيره. ولكن كل شيء تغيّر بعد أن أخذت منحاها الآخر. فقدت ثورتنا السلمية خاصتها، واتجهت نحو التسلح.  هذا ليس ما كنا نريده ونطمح لحصوله، ولكن ممارسات النظام الوحشية وإفراطه باستخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين، وممارسة أساليب التعذيب ضد من يعتقلهم دفع الشباب يإلى تفضيل الموت في ساحات التظاهر على الاعتقال، كل هذا دفعنا لحمل السلاح  للدفاع عن وطننا المسلوب. وبدأت الحرب وبدأت معها كافة أنواع المعاناة، من قصف ودمار وتشريد وتهجير وخوف ورعب، وفقدان أعز الناس على قلوبنا”.

سيدة تمشي في حي سيف الدولة في حلب. تصوير حسام كويفاتية

لجأت أمل إلى الأردن مع زوجها وأبنائها. في بلاد اللجوء عانت مرارة العيش والذل. كونهم لاجئين فهم مجرّدين من أبسط حقوقهم. وعلى الرغم من كل ذلك هي لم تقف مكتوفة الأيدي، بل عملت مع منظمات إنسانية عدة ونشاطات كثيرة لها علاقة بالأطفال، لتحسين وضعهم كلاجئين هناك.

ولكن يبقى للوطن شوق ولهفة وحنين وغصة لا يمكن أن تزول إلّا بالعودة إليه.

وبقيت أمل تتغنى بوطنها وتكتب له الشعر، ما دامت هي بعيدة عنه حيث تقول :

سمعتك أرضي تنادي سمعتك يا من لديك المنى

سمعت رصيف الشوارع ينادي أما من قريب يعود لنا

جدران بيتي تئن وتبكي وزهوري عطشى تنادي القنا

وبابي يشكو أليس هناك أيد تدق عليا أنا

لأسمع صوت الأهالي يقولوا أهلا وسهلا تعالوا هنا

سمعتك ارضي تنادي علي فكيف أرد من المنحنى

أنا لم أخنك فلا تنكريني فعصف الرياح يدور بنا

أيا يا موطني ليلي حل و اوجى وأنت الضياء وأنت السنا

وشربة ماء لديك تساوي جميع البحار وكل ألدنا

وعزي بغيرك ذل وفقري بأرضك والله  عز الغنى

أصرّت أمل على العودة. العودة إلى وطن نازف  ومدمر، لا يوجد فيه إلّا الرعب والخوف والموت الذي بات موجودا في كل حارة وشارع وزقاق من أزقته. عادت لتجد أن أناس الأمس كانوا هنا واليوم لم يعودوا. رحلوا، هربوا ماتوا، لا أحد يدري أو كأنما إعصار أو لعنة حلت علينا. أين الخلاص من كل هذا الألم؟

ما إن وصلت  أمل إلى وطنها الغالي، الذي لم تلحق أن تفرح بعودتها إليه،  حتى حدثت الفاجعة الكبرى، وتم اعتقال زوجها على احد الحواجز  التابعة لجيش النظام.  ودوماً المصائب تأتي جمعاً لا فرادى، تعرض منزلها للدمار الكامل إثر سقوط أحد البراميل المتفجرة عليه. كانت حاملا بطفلها الثالث، هي أنجبت طفلتها وزوجها ليس إلى جانبها هي اضطرت للنزوح إلى يبت آخر تعيش مع ثلاثة أطفال باتت هي لهم الأب والأم وكل حياتهم.

استطاعت بعزيمتها وتصميها أن تقهر ظروفها، وبدأت بالعمل على مشروع “بسمة للدعم النفسي للأطفال” والذي يهدف إلى زرع بسمة على شفاه الأطفال على الرغم من الحرب واستمرار الأزمة. تجاوزت أمل محنتها التي اعتبرتها لا تقارن بما يمر به الوطن. ومضت قدما وأسست فريقها الخاص وعملها الذي باتت تعشقه، وتسعى إلى تطويره يوما بعد يوم.

آمنت أمل بأن البكاء والحزن الجلوس لا يفيد أحداً.  وبأن الأطفال هم الشريحة المظلومة والأكثر تضرراً في ظل هذه الأزمة، ولا بد من تقديم شيء لأجلهم ليكملوا المسيرة، وهم يحملون نفس العزيمة والإصرار. وألّا تدمر هذه الحرب نفسيتهم  وطموحاتهم، وألّا يكونوا قد أصيبوا بعقد نفسية جراء ما مرّ عليهم خلال هذه السنوات.

لا مكان للهزيمة مع العزيمة والإصرار ووجود أمثال أمل في الوطن. وسيبقى وطننا الملاذ الأول والأخير والأوحد لنا، ولن نفرّط فيه ما دمنا نتنفس.

 

ضحى السامر (٢٤ سنة) من محافظة درعا، عاصرت الثورة منذ بدايتها تنقلت من مكان الى مكان مع اسرتها بسبب قصف النظام المستمر. بعد استشهاد زوجها تحت القصف انتقلت ضحى لتعيش مع ولديها ووالدها مرة اخرى بحثا عن مكان آمن. تقوم ضحى حاليا بإكمال دراستها وتقوم أيضا بعمل تقارير إنسانية استكمالا لارث زوجها الصحفي الشهيد.