ندوات للوقاية من الانتحار في سوريا
إحدى جلسات التوعية الخاصة بالنساء تصوير هاديا منصور
تغيرت نظرة راما جانودي إلى الحياة بعد حضورها لندوة حملت عنوان “لنعمل معاً على الوقاية من الانتحار” وفيها نصائح متعددة لصحة نفسية أفضل، رغم كل ما تمر به النساء من مآسي بسبب ظروف الحرب.
راما جانودي (25 عاماً) تقول: “مررت بأيام صعبة جعلتني نازحة بعد أن فقدت ولدي ومنزلي أثناء القصف. غدوت يائسة من كل شيء. كنت بأمسّ الحاجة لحضور هذه الندوة لأشعر بتحسن نفسي، ولأفهم أن الحياة لا تنتظر أحداً وستستمر بآمالها وآلامها”.
تأتي الندوة “لنعمل معاً على الوقاية من الانتحار” التي تديرها منظمة الأطباء المستقلين، ضمن جلسات توعية نفسية اجتماعية للنساء في مخيمات ريفي حلب الشمالي والشرقي، بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية. وهي تحت عنوان دعونا نتحدث عن الانتحار. ويتم خلالها الحديث عن الأمراض النفسية التي تقود المرء إلى ذلك الفعل، وتقديم النصائح لتجاوز الأزمات النفسية .
المدير الميداني ومسؤول الحماية لمنظمة الأطباء المستقلين سومر المحمود (33 عاماً) يقول: “هدف الندوة هو التوعية للاهتمام بالصحة النفسية، والحديث عن الأمراض النفسية، والتي يعد الاكتئاب أكثرها شيوعاً ويقود في بعض الأحيان بالأشخاص إلى إنهاء معاناتهم وآلامهم بالانتحار”.
ويضيف المحمود: “أردنا من خلال ندواتنا التعريف والتوعية بأن النفس كالجسد، تتعرض لأمراض كنتيجة طبيعية للضغوطات والأزمات التي يتعرض لها الشخص. وبالتالي فالمرض النفسي هو كأي مرض يحتاج للعلاج والرعاية. وإن الكشف المبكر والحصول على المساعدة الطبية المختصة لها دور كبير في الاستجابة الفعالة والعلاج والتعافي”.
ويشير المحمود لأهداف الندوة ومدى أهميتها قائلاً “نهدف لرفع الوعي للوقاية من الانتحار والتثقيف بالأسباب التي قد تدفع الشخص إليه. المرضى النفسيون يعانون بصمت ويرتكبون جريمة الانتحار دون أن يعلم بهم أحد”.
ويوضح المحمود “أن الندوات جاءت كنتيجة حتمية لما فرضته الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الأشخاص، من حرب وقصف وحرمان وفقدان وخسارة وبطالة. وبالتالي أزمات ومشاكل نفسية قد تؤدي في بعض الأحيان للانتحار.”
“الفئات المستهدفة من الندوة هن النساء لكونهن أكثر عرضة للضغوطات لما يقع على عاتقهن من مسؤوليات، إضافة إلى ما تعانيه النساء من عنف قائم على النوع الاجتماعي وحرمان في الموارد وعدم مساواة. فيما يقع على عاتقهن في المقابل تربية وتنشئة الأجيال، فكان من الأهمية بمكان رفع الوعي لديهن بالصحة النفسية” بحسب المحمود.
بلغ عدد المشاركات في الجلسة مابين 15 و20 امرأة، تفاعلن معها بشكل إيجابي وناقشن تجاربهن الشخصية.
المرشد النفسي والاجتماعي لؤي الحسني (30عاماً) يقول: “أن الاكتئاب مثله مثل أي مشكلة صحية يحتاج لعناية خاصة وفهم لجميع جوانبه. وقد يستمر الاكتئاب لأسبوعين وقد تزاداد المدة ليصبح الشخص غير قادر على التأقلم في حياته”. ويؤكد “أن الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد كان لها أكبر الأثر بإصابة الكثيرين بالاكتئاب والذي يفضي أحياناً إلى الانتحار.”
ويتابع الحسني متحدثاً عن الأعراض المصاحبة للاكتئاب بأنها “تبدأ بالإحساس بالحزن، انخفاض الطاقة، المعاناة من اضطرابات الأكل والنوم، العزلة، الانطوائية والعجز عن الأعمال اليومية، التدني في تقديرات الذات والشعور بالذنب، ضعف التركيز وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، عدم الاهتمام بالحياة”.
ويضيف الحسني: “الأمور والأنشطة التي كانت تدخل لقلب المرء السعادة تغدو أشياء مملة، وغالباً ما يسيطر على المصابين بالاكتئاب الرغبة في الموت والانتحار”.
وعن بعض وسائل العلاج من الاكتئاب يقول الحسني: “لا بد من الدعم النفسي الإجتماعي وهو ما يحصل عن طريق الندوات والمحاضرات وفيها يتم التحدث عن الأسباب التي تؤدي إلى الاكتئاب كالشعور بالوحدة والحزن والضيق من أي سبب كان”.
دور الندوات هو تعريف الشخص بالحلول التي يمكن أن يتبعها للقضاء على الاكتئاب كتوطيد علاقاته الاجتماعية مع الآخرين أو أداء التمارين الرياضية أو حضور فعاليات مدنية واجتماعية أو من الممكن الالتحاق بعمل تطوعي يشعر الشخص بأهمية عمله الإنساني وبدوره الاجتماعي في مساعدة الآخرين.
ويشدد الحسني على “أهمية مثل تلك الندوات من أجل تقديم أكبر استفادة ممكنة للمرضى النفسيين، الذين وضعتهم الحرب عند مفترق طرق مسدودة بمعظمها”.
لاتنكر سلام (17عاماً) أنها كانت مقبلة على الانتحار. تقول سلام بابتسامة يائسة: “لم يعد هناك ما يشدني للحياة بعد كل ما مررت به من مآسي. حلمي الدراسي تلاشى وزواجي المبكر كان فاشلاً وظروفي المادية صعبة، أي حال وصلت إليه”.
لكن سلام تراجعت عن قرارها ذاك بعد حضورها لندوات الوقاية من الانتحار. وبدأت تبحث عن فرص جديدة تشدها لحياة تأمل أن تكون أفضل، من خلال التحاقها بالعمل بشكل تطوعي في إحدى منظمات المجتمع المدني .
منظمة الأطباء المستقلين التي رعت مشاريع الندوات، هي منظمة إنسانية مستقلة تأسست في عام 2012 ، تعمل على توفير الرعاية الصحية الأولية للمدنيين، وخاصة المتضررين من النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية. ومن أهم مشاريعها إنشاء مراكز ومشافي طيبة في الشمال السوري إضافة لتدريبات في مجال التغذية والحماية .
في زمن زادت فيه مختلف الضغوطات على السوريين تزامناً مع ضعف الخدمات النفسية المقدمة، تعمل منظمة الأطباء المستقلين على تقديم خدمات الدعم النفسي ورفع الوعي، وإزالة الوصمة السائدة في المجتمع تجاه هذه الأمراض التي غدت متفشية كما النار في الهشيم.