مهندسة سورية نذرت حياتها لإغاثة مواطنيها

المهندسة نسرين الريش في مكتبها في مدينة غازي عنتاب - تصوير حسام الآغا

في مكتبها وسط مدينة غازي عنتاب التركية، تتابع المهندسة السورية نسرين الريش، من مكتبها في وسط المدينة أعمال المنظمة الإغاثية التي أنشأتها قبل خمس سنوات.

اختارت نسرين الريش، دراسة الهندسة الميكانيكية، أحبت دراستها، ثم أحبّت العمل في هذا المجال وقادها طموحها لدخول سوق العمل الخاص في عام 2004، بعيداً عن روتين العمل الحكومي. افتتحت مكتباً لها في مجال تعهدات التبريد والتكييف.

اختلفت مخططات المهندسة الحياتية، عندما رسمت الثورة السورية ملامحها في العام 2011، لم يعد بإمكانها فقط الاهتمام بالتبريد والتكييف، ومشاريعها الخاصة، وإنما إنشاء مخطط جديد لمشروع مقبل غير ربحي هذه المرة ويخص سوريا عموماً.

في آذار/مارس 2012، كان الامتحان الأول، عندما اضطر آلاف المدنيين  للنزوح من حمص وريفها وتحديداً بعد أن سقط عشرات القتلى في مجزرة كرم الزيتون، باتجاه قرى وبلدات القلمون وبلدة دير عطية مسقط رأس نسرين الريش.

تقول الريش: “كانت الأجواء باردة عندما نزحوا من الحرب في حمص، وصلوا إلى دير عطية، جلسوا في العراء، وهنا كان ثمة مسؤولية اجتماعية وإنسانية أمامنا، عندها بدأت بالاستفادة من قدرتي على التواصل مع من يمكنه مساعدتهم، وكان الهم الأكبر أن يتم إيواء هؤلاء المدنيين، وأصبحت أبحث عن سكن مجاني لهم، بالتالي حمايتهم وإيوائهم”.

وكما غيرها من السوريين، لم يكن العمل الإنساني مألوفاً بالنسبة لسيدة طوات من عالم المال والأعمال، لكن بالنظر إلى حجم كارثة النزوح نحو بلدات القلمون من مدينة حمص وريفها تحتم على الكثير من الشباب والشابات تغطية الجانب الإغاثي ومساعدة النازحين المتزايدين في القلمون يوماً بعد يوم.

“بعض العائلات التي نزحت كان معها مصابين، وبعضهم لم يكن يحمل معه حتى أبسط احتياجاته الأساسية، وكان دورنا أن نتحدث مع الناس في القرية ليقوموا بالمساعدة وأصبح بعدها عملنا هو جمع الخبز وإرساله حتى إلى حمص”.

مع تطور الأوضاع الأمنية صعبة، كانت الريش على موعد مع اختبار جديد، عندما اضطرت للاتجاه بداية الـ2013 صوب بلدة قارة القريبة، ليتبعها عدة مرات نزوح وصلت بنسرين الريش لزيارة 12 بلدة في القلمون. ثم عادت مرة أخرى إلى بلدتها دير عطية حاملة مساعدات إغاثية مع شباب آخرين.

نزحت إلى النبك، وعملت في النقطة الطبية هناك. ثم إلى مناطق أخرى وصولاً إلى يبرود حيث بدأت تتواصل مع العديد من السوريين المغتربين والجاهزين لتقديم مساعدات للمدنيين بحكم ثقتهم بها وبعملها طيلة الفترة الفائتة.

في آذار/ مارس 2014، انتقلت نسرين الريش إلى بلدة عرسال في لبنان. حيث يواجه النازحون لتواجه مأساة جديدة في مواجهة برودة الطقس. وعن هذا الأمر تقول: “الكثير من أهالي عرسال قدموا منازلهم للسوريين ليسكنوا فيها بالمجان، وأنا بدوري سكنت مع عائلة سورية في منزل أحد أهالي عرسال وبقيت أشهراً في هذا المنزل، وما كان أمامي سوى الاستمرار في عملي الإغاثي”.

بدت فكرة إنشاء جمعية خيرية بالنسبة للمهندسة مهمة للغاية لتنظيم العمل الإغاثي. خصوصاً مع امتلاكها لعلاقات مع مغتربين سوريين من منطقة القلمون قادرين على تقديم المساعدة، وقدرتها على إيصال المساعدات فوراً طالما أنها في قلب الحدث في بلدة عرسال.

وتقول نسرين الريش: “قررنا أن نعمل من خلال اسم جمعية، وفي الشهر نيسان/إبريل تم إطلاق جمعية جنى وطن، وعبر هذه الجمعية تم استقبال مساعدات موجهة للاجئين السوريين”. وتطور عمل الجمعية ليشمل عائلات أكثر، ويصبح للجمعية مستودعاً يضم سللاً إغاثية ومساعدات مختلفة.

شاركت نسرين مع فريقها بمبادرات تجمع السوريين في عرسال، إضافة إلى مشاركتها مع فرق وجمعيات سورية ولبنانية بحيث يتم تنسيق الدعم وتنظيمه، وأصبحت لاحقاً ممثلة عن لجنة سورية سميّت “لجنة الطوارئ”.

في أواخر آب/أغسطس 2014، تم اعتقال نسرين في لبنان، لكونها دخلت البلاد بطريقة غير شرعية. تم الإفراج عنها لاحقاً لكن مع حجز أوراقها ثمانية أشهر ونصف.

تقول نسرين الريش: “تمت مساعدتي من قبل محامين لبنانيين حتى خرجت من السجن، ومع ذلك لم أتوقف عن المساعدة عن طريق اتصالاتي وحتى أنني تعاملت مع أحد المعامل لأشتري بطانيات في وقت كان الثلوج تغمر عرسال، واستعنت بأخوة لبنانيين ليتم ايصالها إلى كوادر فريقنا في عرسال”.

ورغم عملها في الإغاثة ومساعدة الكثيرين إلا أن قراراً كان قد صدر بحق نسرين بترحيلها من لبنان. في آذار/مارس 2015، تركت نسرين الريش لبنان باتجاه تركيا. وصلت نسرين إلى غازي عنتاب، وفي يومها التالي بدأت بالبحث عن كيفية مساعدة السوريين الذين تركتهم في عرسال.

تقول نسرين: “تعرفت على منظمات عديدة، وعلى طريقة عملهم في مجال الإغاثة، وتحدثت أمامهم عن أوضاع عرسال، وتنقلت من مكان إلى مكان بحثاً عن كيفية مساعدة السوريين، حاولت الحصول على دعم للقلمون ولعرسال، وبفضل هذه الزيارات توسعت شبكة التواصلات لدي، ورغم ذلك بقينا عاماً كاملاً دون الحصول على أي دعم”.

كان العائق الأساسي أمام نسرين هو ترخيص عمل منظمتها “جنى وطن” في تركيا، ليصبح ملف إمكانية دعمها أقوى، وبالفعل تم تشكيل مجلس إدارة من ناشطين كانوا مشاركين في “جنى وطن” وداعمين لها، وقام مجلس الإدارة باختيار نسرين كرئيسة، وتم ترخيص المنظمة بشكل رسمي في العام 2016.

وتوضح نسرين الريش: “هنا بدأت أتابع تدريبات حتى أصبح على دراية أكثر بكيفية القيادة. وبالفعل تعلمت الكثير عن كيفية العمل الإنساني والمعايير الإنسانية، وكيف تتم تقييم الاحتياجات والاستجابة وكيف يتم كتابة مشروع، وتعلمت الكثير من الأشياء المتعلقة بالعمل الإنساني إذا تم ترخيصه”.

رغم صعوبة حصول المنظمات السورية الإنسانية وتحديداً في الفترة الأخيرة على دعم، إلا أن جنى وطن وبدعم محدود ما زالت حتى اليوم توصل المساعدات إلى الداخل السوري. ومازال ناشطو “جنى وطن” في عرسال يعملون عبر مراكز مجتمعية، يتم الاستفادة منها من قبل نساء مخيمات عرسال لتعليم الأطفال صباحاً، ولتجتمع النساء مساءً لمناقشة القضايا النسوية.

العمل المستمر، خلص إلى توفير دعم منظم ومستقر للمنظمة، وبالتالي للناس في مناطق مختلفة من سوريا وعرسال، تقول نسرين الريش: “أنا لست نسرين، أنا جنى وطن، متطوعة، ولدي استعداد إذا تم طلب مساعدة مني، أن استدين لأرسله لطالب الحاجة، وممكن ألا أنام الليل حتى يتم تأمينها”.