من دار للأيتام في غازي عنتاب إلى بيت بعائلة واحدة

الجدة أم محمد مع إحدى الطالبات في الدار تصوير حسام الزير

تشرف أم محمد، على الأطفال في دار السلام لرعاية الأيتام في مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا. السيدة التي بلغت الستين من عمرها، لم تتعب طيلة أربع سنوات من لعب دور الجدة، تلعب مع الأولاد كما يفعل الأهل مع أبنائهم.

إضافة إلى لعب دور الجدة، هي مسؤولة عن الكثير من النفقات التي يحتاجها الدار، من إيجار المبنى وليس انتهاءً بالفواتير المرتفعة. توزيع حصص الطعام المتبقية، ما يضطر معظم سيدات الدار إلى العمل لتأمين حصص الغذاء الباقية لهنّ ولأولادهن.

لم يكن حال المجمع كما هو الآن، كان يمكن للسيدات الـ39 اللواتي تعشن مع أطفالهن الاعتماد على مؤونة الدار الوفيرة، لكن مع الوقت بدأ الدار يستنفذ مؤونته، وبدأ المتبرعون يشعرون بالضغط نتيجة طول أمد العطاءات المقدمة.

تقول أم محمد: “إن ما يأتي إلى الدار من مبالغ مالية عبر المتبرعين، بالكاد يكفي إيجار المبنى وفواتيره، وأحياناً يكون هنالك ضائقة في تغطية هذه المصاريف”.

رغم وجود ما يزيد عن 100 طفل، لم يتمكّن الدار مؤخراً من تشغيل التدفئة المركزية إلا مع بداية الشهر الفائت، وهو ما يزيد العبء على أم محمد، لرؤيتها الأطفال يشعرون بالبرد في أوقات كثيرة، ومن جهة أخرى لزيادة فاتورة جديدة قد تصل شهرياً إلى 20 أو 30 ألف ليرة تركية.

“يحتاج الدار إلى سند مادي قوي” هو ما توضّحه أم محمد، ابنة مدينة حلب. من هنا جاءت فكرة تحويل دار السلام إلى ورشة عمل منتجة، عبر الاستفادة من وجود السيدات كيد عاملة، وخبرتها في حياكة الألبسة.

قبل سنوات طويلة اكتسبت أم محمد، فنون الخياطة وعملت بها في حلب، وتحديداً بعد وفاة والدها، وتحوّلها إلى سيدة منتجة. ربما هو ما جعل منها تفكّر في تحويل سيدات الدار إلى منتجات لا يحتجن المساعدة من أحد.

كل شيء بدا جاهزاً، السيدات تعلّمن الحياكة، وتم توفير الآلات لهنّ وتم تخصيص غرفة أسفل الدار لصناعة الألبسة، ذلك قبل أن تنتهي التجربة لقلّة الدعم المقدّم.

الشيء الوحيد الذي نقُص المشروع الجديد، هو التعاقد مع جهات تعطي الدار القماش الخام، وتأخذ منه الألبسة جاهزة، وهو ما لم يتوفّر.

تنظر اليوم أم محمد بكثير من الحزن على ما تبقى من ألبسة كانت سيدات الدار قد صنعنها بعد أن تعلّمن جزءاً كبيراً من أساليب الخياطة الحديثة، تلك الألبسة التي وُضعت في أكياس وبدا أن الغبار يعتليها.

في الغرفة المجاورة للورشة المهملة، معرض صغير لمشغولات يدوية كانت سيدات الدار قد صنعنها بأيديهن، وبدت أنها متقنة الصنع، لكنها لم تلق رواجاً كما يجب أن يكون.

تطرح أم محمد فكرة جديدة، وهي افتتاح دكّان على الشارع العام، تُعرض فيه هذه المنتجات، أو يمكن الاستفادة من خبرات السيدات في تصفيف الشعر وافتتاح صالون للحلاقة النسائية يُعرض على واجهته منتجات السيدات اليدوية.

كل شيء مرهون بنقطة البداية، الدعم المادي المناسب بحيث يتم استجار الصالون وتجهيزه ثم دعم السيدات حتى يتمكّن من تحقيق الأرباح، لكن حتى اللحظة ليس هنالك من دعم.

تشغل كل هذه الأفكار مخيّلة أم محمد، كما لو أن سيدات الدار هن بناتها، ويمكن لفكرة ما إن نُفذت على أرض الواقع أن تساعدهن بدل العمل لساعات طويلة مقابل أجور منخفضة تصل إلى 200 دولار وربما أقل.

ورغم ذلك لا تدخر، سيدة الدار وقتاً لترفّه عن الأطفال، عندما تخصص لهم جزءاً من فكرها وتبتكر لهم ألعاباً في صالة واسعة داخل المبنى، فإما أن يرسموا لوحات أو يشاهدوا مسلسلات وأفلاماً تخصصها لهم.

أم محمد، أو كما تبدو أنها “أم الكل” تمكّنت من خلق عالم كامل داخل هذا الدار، بمساعدة ابنتها ومشرفة أخرى، ليصبح الدار ليس مجرد مكان للإقامة، إنما هو منزل كبير دافئ، الجميع فيه أقارب.