كانت مغيّبة فأصبحت صحفية مناضلة
شابة سورية تشارك في إحدى المظاهرات المناهضة للنظام السوري وتحمل لافتة في مدينة درعا جنوب سوريا
بسرعتها المعتادة ترتب علا المحمد (35 عاماً) منزلها كل صباح. تحضر طعام الإفطار لزوجها وأولادها بينما تنجز أعمالها المنزلية. وخلال وقت قصير ترسل أطفالها للمدرسة ويذهب زوجها إلى عمله.
وبعدها يبدأ نهار علا المحمد. هي لا تنجز عملها باكراً لتنصرف إلى صبحيات النسوة في الحي. بل تنطلق فوراً لممارسة عملها الصحفي بجمع المعلومات والمقابلات الخاصة بتقريرها الجديد. تقول علا مبتسمة: “نعم هنا إدلب وريفها، المجتمع الذكوري المحافظ، لكن التهميش الكبير للمرأة في منطقتنا لم يحل دون إثباتي لقدراتي وامكانياتي”.
فقدت المرأة السورية وبفعل الحرب فاعليتها في النشاطات الانسانية العامة. وذلك بفعل التمييز القائم على النوع الاجتماعي، والإقصاء الناجم عن سنوات طويلة من استضعاف المرأة وتنحيتها جانبا، ليقتصر عملها ودورها على الأمور الثانوية، وقولبتها ضمن إطار محدود من العلاقات والأعمال التي تفقدها قيمتها كأي فرد فاعل في المجتمع.
ومع ذلك ورغم ظروف الحرب والأوضاع الأمنية والمعيشية المتردية، ظهرت نساء طموحات عملن على كسر تلك الصورة النمطية. فتحدين واقعهن وانطلقن للعمل بإخلاص وقوة وعزيمة مخترقات أصعب المجالات وهو العمل الإعلامي في الحرب. ومع كل العقبات والصعوبات التي واجهتهن استطعن النجاح.
بدأت قصة علا المحمد ابنة مدينة معرة النعمان بزواجها المبكر وعمرها لم يكن يتجاوز 16 عاماً. زوجها محمود من مدينة كفرنبل كان يكبرها بسبع سنوات. أمضت علا مدة سبع سنوات بعد زواجها حبيسة جدران المنزل. تعتني بأطفالها، وتكرس كل وقتها للإهتمام بزوجها وخدمته وارضائه.
وتقول علا: “شعرت أنني مغيبة ككائن قادر على التفكير والفعل واتخاذ القرارات، شعرت أنني مسيرة لدرجة أني لا أملك من أمري شيئا، علي اهدار كل وقتي في تفاهات الحياة اليومية والروتينية المملة. وقررت تحقيق شيء ما على صعيد حياتي الشخصية والعملية، ربما انجازات قد أساوي الرجل فيها أو حتى أتجاوزه”.
من هذا المنطلق وكخطوة أولى قررت علا متابعة دراسة البكالوريا والحصول على الشهادة الثانوية. ولكن زوجها لم يكن يسمح لها بمغادرة المنزل إلا برفقته أو للضرورات القصوى. فكان أن عملت علا على استحضار المقررات والدراسة في المنزل سراً وفي أوقات فراغها وأثناء غياب زوجها عن المنزل سيما وأنه رفض الفكرة كلياً.
كثيرا من الأحيان حين كان زوجها محمود يجدها وهي تقرأ، كان يستشيط غضباً، فيمزق الكتب. ويكرر جملته المعتادة: هذا ما كان ينقصنا”. هذه الحادثة أخذت تتكرر وصار محمود يتغاضى قليلا عنها حين وجد أن زوجته لم تكن مقصرة في أعمال بيتها وتقوم بواجباتها تجاهه وتجاه أبنائها على أكمل وجه.
علا التي اجتهدت طوال عام كامل تمكنت من النجاح ونالت أعلى الدرجات وسط دهشة من زوجها والوسط المحيط الذي وجد فيها مثالا للعزيمة والإرادة والذكاء. علامات علا أهلتها دخول مختلف الفروع في جامعة حلب، فاختارت قسم التاريخ لأنه لا يحتاج لدوام مستمر وبالتالي لا مشكلة لدى زوجها في ذلك.
وبكثير من التعب والجهد حققت علا النجاح وحازت على إجازة جامعية في التاريخ، وكان ذلك في عام 2009، عملت بمجال التدريس، وضمن اختصاصها في مدارس كفرنبل وكفروما ومعرة النعمان، وعند انطلاق الثورة السورية في عام 2011 كانت علا أولى المتظاهرات في كفرنبل.
تعرضت المظاهرات النسائية وغيرها لإطلاق نار من قبل جيش الأسد في كثير من الأحيان، وكانت علا تنجو في كل مرة. واستمرت علا بالتظاهر إلى ان تم تحرير مدينة كفرنبل وبعض القرى من الجيش التابع للنظام في أواخر عام 2012.
عام 2013 حضرت علا دورة صحفية حيث تعلمت أصول الكتابة الصحفية وأنواعها، صاغت علا أول مادة إعلامية لها تحدثت فيها عن معاناة زوجات المعتقلين في ريف إدلب، تم نشرها في موقع دماسكوس بيورو، ومنذ ذلك الحين وعلا تعمل ضمن المجال الإعلامي حيث ساهمت بتأسيس مجلة مزايا المحلية، وهي تعمل اليوم مع العديد من المجلات والمواقع العربية.
تقول علا: “إن لم أكن قادرة على فعل شيء لمساعدة أبناء بلدي في محنتهم، على الأقل أستطعت أن أكون عدسة كاميرا تعكس مآسيهم ومعاناتهم”. واجهت علا ومازلت تواجه العديد من الأخطار والمشكلات ضمن عملها الإعلامي أكان بسبب النظام أو العديد من الفصائل المتطرفة.
علا هي نموذج لنساء عديدات انتفضن على واقعهن وخرجن من القوقعة التي وضعن فيها، ليحققن ذاتهن، وليثبتن للعالم حقيقة قدرتهن على أن يكن ندا للرجل في جميع جوانب الحياة متجاوزات كل الأفكار والقوالب.
مدير منظمة اتحاد المكاتب الثورية في ريف إدلب رائد الفارس (45 عاماً) يقول: “المرأة في الثورة السورية شاركت بشكل لا يستهان به تنظيماً، تظاهراً، إسعافاً للجرحى. ومؤخراً عملها الإعلامي. لقد تبوأت مساحة في الثورة لإثبات ذاتها فحققت أكثر بكثير مما كان متوقع منها”.
عفيف عمور (55 عاماً) عضو اللجنة التحضيرية في المجلس المحلي في كفرنبل يعتبر أن المرأة السورية استطاعت اثبات نفسها كرديف أساسي في الحراك الثوري بشتى المجالات. ويقول: “مجرد انخراط المرأة في العمل الإعلامي يعكس جرأتها، لخطورة هذا العمل الذي لا يخلو من الخطورة والمغامرة ”
وتبقى المرأة السورية تناضل لنيل حقوقها والاعتراف بها، وتثبت كل يوم بأنها جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع لاسيما الثوري منه، والذي تجلى واضحا بمشاركتها في الثورة .السورية على مختلف مراحلها وتطوراتها، قدمت وضحت وبذلت الغالي والنفيس فكانت الإعلامية والأم والمعيلة والثائرة