العمالة السورية في تركيا ضحية رب العمل السوري أيضاً
من المحال السورية في غازي عنتاب تصوير حسام الزير
تشير الساعة إلى السابعة مساءاً، موعد إنتهاء محمد (27 عاماً)، من عمله في معمل للأقمشة، لكن ليس بعد، صاحب المعمل قرر أن يضيف ساعة أخرى إلى دوام محمد.ساعة أخرى تضاف إلى عشرات الساعات الزائدة أصلاً عن وقت محمد منذ أن بدأ عمله قبل عام في هذا المعمل، دون أن تحتسب إضافة إلى أجره الأسبوعي.
يقول محمد: “فقط الراتب هو الذي لا يزيد، أما الساعات فهي قابلة للازدياد باستمرار، هي تسرق من وقتي ووقت عائلتي زماناً كان ممكن أن أقضيه معهم، لكن ليس هناك من بديل”.
من جهته يصرّ صاحب المعمل السوري حيث يعمل محمد على “واجب العمّال أن يعملوا بجهد ونشاط أكبر لكي يتطور المعمل ويصبح انتشار منتجاته أوسع”. لكن الرجل لا يلتفت إلى الكثير من الحقوق الضائعة للعاملات والعاملين، عدا عن كون أرباح المعمل في النهاية ستعود له.
تقول إشراق، وهي عاملة سورية في المعمل نفسه: “مرتبي 1500 ليرة تركية )ما يقارب الـ300 دولار)، وعملي يتجاوز الـ10 ساعات يومياً تضاف إليه ساعتين للمواصلات، بالكاد أصل إلى المنزل مع تعب يوم كامل، هذا ليس عملاً وإنما عبودية”.
واقع محمد وإشراق ينسحب على مئات العمال السوريين في مدينة غازي عنتاب التركية، حيث يعملون من دون عقود توضّح شكل العلاقة بينهم كعاملات وعمال مع أصحاب العمل السوريين.
ابراهيم (30 عاماً) موظف سابق في إحدى ورش العمل في مدينة غازي عنتاب، حيث يقطن ما يزيد على 400 ألف سوري، يقول: “خلال خمس سنوات من العمل في تركيا، تم استغلالي عدّة مرات، إما عبر إعطائي أقل من المبلغ المتفق عليه، أو زيادة ساعات عملي، ثم تركي للعمل دون أي تعويض”.
تفرض شروط العمل في تركيا، حصول العامل أو الموظف على إذن عمل فيما لو كان مقيماً تحت بند الحماية المؤقتة. وهو ما شددت عليه الحكومة التركية مؤخراً، وطالبت سوريين كثر بالحصول على إذن عمل عند زيارة مفتشيها لأماكن العمل، بحسب ما تناقل ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تغاضت الحكومة التركية خلال السنوات الماضية عن شرط إذن العمل بالنسبة للذين يمتلكون بطاقة حماية مؤقتة (كمليك). وهو ما دفع أصحاب الأعمال الأتراك والسوريين إلى نسيانه أيضاً، واستغلال العامل، بكل الوسائل المتاحة.
يقول الصحفي التركي عبدلله سليمان أوغلو: “قانون العمل حدد ساعات العمل بـ45 ساعة أسبوعياً، لكن أصحاب العمل يستغلون السوريين ويجعلونهم يعملون لساعات أطول ومن دون توفير إذن عمل لهم”.
ويلفت أوغلو إلى “غرامة مخالفة توقيع عقود عمل، وبالتالي عدم الحصول على إذن عمل والتي تصل بالنسبة للعامل الذي يعمل في شركة إلى 3527 ليرة تركية (625 دولار أميركي)، بينما تصل الغرامة للشخص الذي يعمل مستقلاً أو لحسابه الخاص إلى 7057 ليرة تركية (1250 دولار أميركي)، في حين تصل غرامة صاحب العمل عن كل عامل إلى 8821 ليرة تركية (1565 دولار أميركي)”
“في المقابل يضمن عقد العمل للعامل مزايا عديدة، منها حصوله على إذن عمل كالتسجيل في مؤسسة الضمان الاجتماعي والاستفادة من الخدمات الصحية في المشافي العامة والخاصة، مع دفع نسبة من تكاليف العلاج. إضافة إلى حصوله على أجر عادل، حيث يصل الحد الأدنى للأجور في تركيا إلى 2020 ليرة تركية ومزايا أخرى كثيرة تصب في صالح العامل السوري” بحسب أوغلو.
مع التنويه أن من يمتلكون إقامة عمل (يتم الحصول عليها عبر العمل في شركة مرخصة ووجود جواز سفر ساري المفعول) يمكن لهم الحصول على الجنسية التركية بعد مرور خمس سنوات من بداية تاريخ العمل، وفقاً لقانون العمل التركي.
على الجانب الآخر، ازدادت نسبة السوريين الملتزمين بالقوانين التركية المتعلقة بالعمل، حتى وصلت إلى الالتزام الكامل في أحياء كثيرة يقطن ويعمل فيها السوريون. ففي حي الجامعة غربي مدينة غازي عنتاب الجنوبية، يوجد العديد من المحلات السورية التي التزم أصحابها بالحصول على الرخص اللازمة إضافة إلى إذن العمل.
أبو محمد، وهو رجل سوري خمسيني وصاحب محل للمواد الغذائية يقول: “القوانين التركية صارمة لجهة الالتزام بالرخص، بعض أنواع البضائع تحتاج إلى رخصة لوحدها، لكن هذا الشيء ساري على الأتراك والسوريين، وبالتالي هم يساوونا بأنفسهم، وهذا شيء جيد”.
أما نزار، وهو موظف في أحد المحال التجارية السورية يقول: “في البداية كان هنالك حالة ضياع بالنسبة للقوانين التركية، أما الآن فأغلب من أعرفهم حصلوا على أذونات عمل، من أصحاب أعمالهم كما حصلت أنا، وهو ما يجعلهم بغنى عن القلق من المخالفة أو الترحيل كما يحصل الآن”.
الكثير من السوريين يساورهم القلق، وخصوصاً بعد الحملات التي استهدفتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والداعية لإعادتهم إلى سوريا.
يعلّق عبد الرحمن، وهو شاب سوري يتحضّر لينتقل من إسطنبول إلى مدينة أنقرة “الحملات على موقع تويتر كانت كثيفة للغاية هذه المرة، على ما اعتقد كان لها الأثر الأكبر في القرارات الأخيرة والتشديد على السوريين في إسطنبول، لكن حتى مع انتقالنا إلى مدن أخرى، مازال القلق حاضراً، إذ لا نعرف ما إذا كانت ستصدر قرارات جديدة ترحّلنا نهائياً”.
وزير الداخلية التركي سليمان صويلو كان حازماً في ضرورة عودة السوريين من أصحاب بطاقات الحماية المؤقتة كل إلى ولايته، لكنه طمأن السوريين في حديث لتلفزيون NTVالتركي بتاريخ 24/7/2019، بأنه لن يكون هنالك ترحيل قسري لأي سوري وإنما تسوية أوضاعهم القانونية.
نقابة المحاميين الأتراك، إذ وفّرت أرقاما في إسطنبول مع إمكانية وجود مترجم، للذين تم ترحيلهم أو للمحتجزين بغرض الترحيل، وبحسب ما تم تناقله عن النقابة سيتم رفع دعاوي بغرض إعادة المرحّلين والإفراج عن المحتجزين، ليصبح بالتالي ملف السوريين الضخم في تركيا محمياً حكومياً وقانونياً.
اسطنبول، شهدت في الأسابيع الأخيرة ترحيل أكثر من 600 سوري من أصل أكثر من 547 ألف سوري يعيشون داخل المدينة. مدير العلاقات العامّة في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا مازن علوش أفاد بأن عدد السوريين المرحّلين خلال شهر تموز/يوليو بلغ 4380 مرحّلاً عبر هذا المعبر وحده.
أبو رياض (43 عاماً)، من مدينة حلب مقيم في مدينة سيواس وسط تركيا يقول: “الوضع أفضل في هذه المدينة من باقي المدن المكتظة بالسوريين، هنا لا يتم التشديد على السوريين كثيراً، يجب على السوريين اختيار مدن أقل اكتظاظاً باللاجئين، والابتعاد عن مدن كاسطنبول وغازي عنتاب وانطاكيا وغيرها من المدن التي لم تعد تحتمل لاجئين أكثر”.