الطبابة الشرعية لدفن القتلى وتوثيق المجهولين منهم
تضطلع الطبابة الشرعية بمدينة حلب بمهام عدة، منذ أن بدأت عملها في مناطق المعارضة في عام 2013، تتمثل بإخلاء جثث القتلى بفعل القصف أو الجريمة الجنائية، وتوثيق الضحايا المجهولين وتنظيم القبور الخاصة بهم، وسط ظروف استثنائية جراء الحرب التي تعصف بالمدينة.
بسيارة واحدة فقط، يعمل فريق الطبابة الشرعية المؤلف من 18 موظفا، ضمن المدينة المصنفة كأخطر مدن العالم، في ظل نقص كبير في الإمكانيات الطبية والمعدات الجنائية، وفق ما يؤكد المدير المسؤول عنها محمد كحيل، متأملا أن ينظر المعنيون في أمر هذه المؤسسة ويقدمون الدعم الكافي لها.
محمد كحيل “أبو جعفر” (55 عاماً) مدير الطبابة الشرعية في حلب يقول: “تم استحداث مركز الطبابة الشرعية في حلب في نهاية شهر كانون الثاني/يناير من العام 2013 إثر وقوع مجزرة النهر، التي قامت بها قوات النظام السوري، وهو ما دعا لوجود مؤسسة تعمل على الجانب التوثيقي للضحايا”.
وخلال لقائه مع “دماسكوس بيورو” يقول كحيل: “ينقسم عملنا إلى قسمين رئيسيين، الأول قسم توثيق جرائم النظام تجاه المدنيين بفعل القصف بالبراميل المتفجرة أو الصواريخ، والثاني هو التعاون مع الجهات الشرطية والقضائية في جرائم القتل، أو الاعتداء على الحريات من خلال فحص المصابين، وتقديم التقارير الطبية لهم”.
ويضيف أبو جعفر: “إضافة إلى القسمين الرئيسيين هناك قسم المفقودين، حيث تتم عملية توثيق كافة المفقودين الذي فقدوا بفعل القصف، أو الذين تعرضوا للخطف من الجهات المجهولة والخلايا النائمة التي تناهض المعارضة السورية”.
وفي أجواء الحرب المستعرة في حلب، قدر لبعض المدنيين القتلى أن يكونوا أرقاما دون أي هوية، لكن فريق الطبابة الشرعية يعمل على ملف هؤلاء الضحايا المجهولي الهوية، عبر عملية توثيقة عالية الدقة، في مسعى للوصول إلى هويتهم أو أشخاص على صلة بهم.
خالد قلعجي (28 عاماً)، وهو مسؤول قسم التوثيق، يتحدث بهذا الصدد لـ “دماسكوس بيورو” ويقول: “يتم التدقيق بجثث المجهولي الهوية، لاسيما موضوع الصور، حيث يتم تصوريهم بدقة عالية، لاسيما اللباس وأنحاء الجسد، ريثما يحضر أحد ذوي المجهول، لتتم عملية التعرف من خلال الصور”.
ويتذكر قلعجي إحدى الحالات المؤثرة التي صادفته بعمله، حيث نقل فريق الطبابة جثة متفحمة لرجل مجهول الهوية، وكان من الصعب التعرف عليه، لكن امرأة راجعت بعد أيام الطبابة الشرعية باحثة عن زوجها المفقود. وقدمت معلومة تفيد بخضوع زوجها لعمل جراحي في أسفل الظهر، وهو ما تم التأكد منه من خلال إعادة الكشف على الجثة. وبدا قلعجي متأثراً بشدة وهو يتذكر المشاعر التي انتابت الزوجة المكلومة.
وحول مصير جثث المجهولين يقول قلعجي أن الطبابة الشرعية تعمل على دفنها أصولا في مقبرة الطبابة الشرعية، التي أقيمت من أجلهم، وأيضا الفقراء الذين لا قدرة لهم على دفع تكاليف القبر والدفن، مشيرا إلى أن هذه الجهود تموّل من بعض المحسنين وأصحاب الخير، في ظل غياب الدعم عن هذه المؤسسة.
وفي حالات القتلى المجهولي الهوية يضطلع موظفو الطبابة بأمور الدفن وتغسيل الميت، ومن ثم يتم الصلاة عليه وفق الشريعة الإسلامية، حيث يتم اختيار أقدم موظف موجود لأداء إمامة المصلين على الميت. وذلك في قطعة الأرض الصغيرة الخاصة بدفن القتلى المجهولين، وهي أرض عائدة بملكيتها للطبابة، حيث قدم المحسنون وأصحاب الأيادي البيضاء قسطا من المال لاستحداث تلك المقبرة وما يلزم من معدات.
وتعاني الطبابة الشرعية من صعوبات عدة تعيق عملها الإنساني، المحفوف بالمخاطر والمغامرة، فالضائقة المالية الكبيرة، ونقص وسائط النقل، تجعل من استمرارية الكادر في العمل أمراً صعباً جداً.
الناشط الإعلامي تيم الحلبي (25 عاماً) يرى أن عمل الطبابة هو عمل استثنائي في ظل الحرب بحلب، مشيرا إلى أن فريق الطبابة يعرض نفسه للخطر في سبيل إخلاء قتلى القصف، وانتشالهم من تحت الأنقاض، رغم الإمكانات المحدودة وضغط العمل وحجم المسؤولية الكبيرة التي يتحملونها.
“منذ خمسة أشهر لم نقبض أي أجور مالية أو مصاريف تشغيلية، وعندما كنا في السابق نحصل على أجورنا كان المبلغ هو 2000 دولار أمريكي توزع على 18 موظفا، وتشمل المصاريف التشغيلية” يقول محمد كحيل.
ويضيف: “لدينا سيارة واحدة فقط ضمن عملنا، وهي في حالة فنية متردية جدا، ولا يوجد لدينا معدات بالمعنى الحقيقي، فمعظمها هي معدات أقل من بدائية، ونحصل على مساعدة في هذا الشأن من بعض الأصدقاء في مجال دعم عملنا الجنائي”.
ويأمل مدير الطبابة الشرعية في مدينة حلب بأن يقدم المعنيون والمسؤولون عن الشأن الطبي في الحكومة المؤقّتة الدعم لهذه المؤسسة، كونها ضرورة من ضرورات الحياة كونها تساعد الجهاز القضائي والشرطة في إحقاق الحق، وإيصاله إلى أصحابه، كما يقول.
عامر أبو اسلام (31 عاماً) أحد سكان مدينة حلب، يعتقد “إن للطبابة الشرعية في حلب دور هام تقوم فيه، لاسيما أن في نقل جثث القتلى، وماله من تأثير بمنع انتشار الأمراض والأوبئة التي تسببها، مؤكدا أن عملها يتصف بالصعوبة”.
يوسف محمد وهو مدرس (36 عاماً)، فيرى “أن ما تقوم به الطبابة الشرعية هو من الأعمال الإنسانية النبيلة، وهي تعمل بحسب المثل القائل إكرام الميت دفنه، وخصوصا أن هناك العشرات من الضحايا خلال الحرب، ولا أحد يهتم بهم سوى هذه اللجنة”.