الجمعية الطبية السورية الأميركية لدعم صمود شعب
لم يكن عصام (19 عاماً) ليصدّق بأن يده التي تعرضت لما يشبه البتر بعد إصابته بإحدى الشظايا عادت سليمة من جديد، وذلك بعد العملية الجراحية الدقيقة التي أجريت له في مشفى إدلب المركزي على يد عدد من الأطباء السوريين الأمريكيين المتواجدين هناك. عصام واحد من آلاف المصابين والجرحى الذين ساعدتهم مراكز ومشافي الجمعية الطبية السورية الاميركية (سامز) المتواجدة في سوريا، بما فيها من أطباء من ذوي الخبرة والمهارة العالية، على استعادة صحتهم وعافيتهم.
عصام إبن مدينة كفرنبل يقول “كنت قد فقدت الأمل من يدي عندما رأيتها وقد بترت، ماعدا جزء بسيط منها. حملتها بيدي الأخرى وأسرعت إلى إحدى سيارات الإسعاف التي تواجدت في المنطقة آنذاك”. دخل عصام غرفة العمليات وهو يودع يده التي كان على يقين أنهم لن يستطيعوا إنقاذها، بعد أن قطعت جميع أعصابها وأوردتها وعضلاتها. ومع ذلك كان يرجوهم ألا يبتروها. عصام لا يريد أن يفقد ذراعه لاسيما وأنه المعيل لأسرته الفقيرة بعد وفاة والده.
وبعد ساعات طويلة في غرفة العمليات، تمكن فريق الأطباء من وصل كل وتر وعصب مقطوع، وبعد عدة عمليات متقاربة استطاع عصام أن يحرك يده التي عادت للحياة من جديد.
بحسب مدير مكتب “سامز” في تركيا الطبيب مازن كوارة (41 عاماً) “أكثر من 85 ألف مريض ومصاب وجريح تقوم سامز بمعالجتهم شهرياً، في مراكزها الموزعة في مختلف المناطق السورية المحررة”. وعن نشأة الجمعية يقول كوارة “تأسست سامز في الولايات المتحدة الأميركية في العام 1998 من قبل مجموعة من الأطباء السوريين الأمريكيين العاملين هناك لمدة طويلة، هدفها علمي-تعليمي ومساعدة الأطباء السوريين المتواجدين للدراسة في الولايات المتحدة “. ويلفت كوارة إلى دورها على مدى سنوات طويلة في إقامة المؤتمرات في سوريا لرفع مستوى الأطباء السوريين وللوصول بالخدمة الطبية في سوريا إلى مستويات عالية اعتماداً على أعلى الكفاءات والخبرات الاميركية.
بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011 توجهت المنظمة إلى الداخل السوري، للقيام بواجبها الطبي الإنساني تجاه السوريين، فافتتحت العديد من المشافي والمراكز الطبية في سوريا وفي دول اللجوء. وتدير الجمعية مراكزها في الداخل المحرر من سوريا عبر مكاتبها الموزعة في تركيا ولبنان والأردن.
خدمات طبية متنوعة تقدمها الجمعية ومن أهم هذه الخدمات إنشاء مراكز الرضوض التي تحوّلت بفعل الحاجة والضرورة إلى معالجة الإصابات الحربية الكبيرة، فكان التوجه العام في البداية إلى إنشاء المشافي الميدانية، فأنشأت “سامز” عشرة مشافي ميدانية موزعة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، في الشمال والجنوب وريف حمص أيضا.
بعد ذلك بدأت “سامز” بإنشاء مراكز العناية الصحية الأولية. وذلك نتيجة توقف المستوصفات الحكومية عن العمل وانتشار الأمراض، أنشات سامز عشرات المستوصفات التي تم دعمها بالكوادر والأجهزة والأدوية.
آمال (38 عاماً) قصدت مستوصف معرّة النعمان بعد أن تعرض أطفالها لعدوى التهاب الأمعاء، فتم تقديم الرعاية الصحية اللازمة لأطفالها الأربعة، وهم الآن بصحة جيدة بعد معالجتهم ومنحهم الدواء وكل ذلك بشكل مجاني.
كما عمدت الجمعية الطبية السورية الاميركية إلى إنشاء أكثر من 7 مشافي في الشمال السوري، متخصصة بالتوليد والصحة الإنجابية، فضلا عن إنشائها مشافي من هذا القبيل في ريف دمشق ودرعا.
رنا وهي من ريف إدلب الشرقي وضعت مولودها في مشفى سامز للتوليد في معرة النعمان. تقول رنا “لقد لقيت عناية كبيرة بصحتي وصحة مولودي من قبل الطبيبة المختصة والكادر الطبي المتواجد في المشفى”. وإذ شكرت جميع القائمين على المشفى والداعمين له شددت على الأهمية الكبيرة لهذه المشافي بالنسبة للنساء وخاصة الفقيرات منهن، ذلك أن أجور المعاينات والتوليد في المشافي الخاصة، ارتفعت بشكل جنوني في الآونة الأخيرة بينما تقدم مشافي سامز خدماتها مجانا لجميع محتاجيها.
لم تقتصر خدمات سامز على الخدمات الطبية العضوية وإنما أيضا شملت الخدمات النفسية الاجتماعية، حيث أنشأت العديد من مراكز الرعاية النفسية في المخيمات الداخلية. وقامت بحملات نفسية أيضا بالاستعانة بكوادرها المتخصصة والتي تأتي على شكل حملات من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأردن ولبنان وتركيا، لتقديم خدمات الرعاية النفسية الاجتماعية للاجئين عموماً والأطفال خصوصاً.
وأهم ما يميز “سامز” بحسب ما يقول الطبيب كوارة هو “تدريب وتأهيل الكوادر الطبية، حيث عمدت سامز منذ أربع سنوات وحتى الآن إلى تدريب الأطباء و الممرضين وفنيي الرعاية المشددة” ويقول كوارة “وصلنا إلى الدورة رقم عشرين” ويضيف “سامز قامت أيضا بافتتاح العديد من مدارس ومعاهد التمريض والقبالة، في كل من حلب ومعرة النعمان وغيرها، هذه المدارس تعتمد مناهج مشابهة للمناهج التي كانت متبعة في مدارس القبالة والتمريض قبل الثورة.”
تشعر علا (22 عاماً) بأنها على وشك تحقيق حلمها بأن تصبح قابلة بعد انتسابها لمدرسة القبالة في معرة النعمان، فالكادر التدريسي متمرس والمدرسة تتكفل بجميع نفقات طلابها الدراسية بما فيها تأمين السكن.
تعتمد استراتيجية الجمعية الطبية السورية الاميركية على أنه حيثما تكون الحاجة تتواجد سامز، وهذا يحدد نوعية مراكزها بحسب احتياجات المناطق المختلفة في الداخل السوري وفي دول اللجوء.
بلغ عدد الأطباء السوريين الأمريكيين المنتسبين لسامز أكثر من 600 طبيب. هؤلاء يدفعون الاشتراكات ويقومون بحملات جمع التبرعات من أطباء أفراد ومن منظمات ومؤسسات دولية كالولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأمام ما تتعرض له المشافي والمراكز الطبية في سوريا من استهداف، قامت الجمعية منذ أكثر من عام بتوثيق جميع الانتهاكات بحق القطاع الطبي في سوريا، سواء التابع لسامز أم غيرها بالتعاون مع مؤسسات دولية كبرى مثل أطباء من أجل حقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش، منظمة العفو الدولية، حيث عمدت بذلك لايصال معاناة الشعب السوري والكوادر الطبية إلى مجلس الأمن والمحاكم الدولية.
ويختتم د. كوارة حديثه بالقول “سنفعل كل مابوسعنا لدعم الأطباء في الداخل، فالقطاع الطبي يجب ألا يتوقف لأن صمود الشعب السوري رهن بصمود الكوادر الطبية. “