أم عبدو امرأة نادرة زمانها
حين بلغها خبراستشهاد ابنها وحفيدها، لم تذرف دمعة واحدة. نهضت وتوضأت وصلّت شكراً لله، ثم رفعت يديها وقالت “اللهم ارزقني الشهادة كما رزقتهما واجمعني بهما في جنات النعيم”.
زاهية المعروفة بـ”أم عبدو” تبلغ من العمر خمسة أعوام بعد المئة، عاشتها في الكفاح والنضال في مدينة معرة النعمان. جدة لأحفاد كثر، أنجبهم 8 أبناء و5 بنات. سمراء،متوسطة القامة، توفي زوجها في ثمانينيات القرن الماضي. عملت بخياطة الجلود ونسج الصوف والطب العربي وتجبير الكسور. هي مع الثورة منذ انطلاقتها، وأولادها معظمهم في مراكز قيادية في الثورة، منهم عبد الحميد (70 عاماً)، حكيم 58(عاماً)، أبو بكر(56عاماً)، الشيخ علي (51 عاماً)، خلف (45عاماً).
“نحن جميعا مع الثورة قلباً وقالباً، لأنها ثورة حق وكرامة والحرّ لا يرضى بالظلم. آن الأوان لكي نقول للظالم لا، وأن تعاد الحقوق إلى أصحابها لا سيما وأن هذا النظام استبد بحكم البلاد طيلة 45 عاماً” تقول أم عبدو وتضيف “شجعت أولادي كلهم على العمل الثوري والجهاد، قلت لهم: إما ان تعيشون مع أبنائكم في وطن حر وكريم وإما الشهادة”. فخورة أم عبدو بأبنائها ولطالما نصحتهم باتباع الحق ومخافة الله في كل الامور.
عن نشاطها الثوري تقول ام عبدو “كنت الأم المرجع لجميع ثوار المنطقة. كنت اعتبرهم جميعاً كأولادي. أضمد جراح المصابين، أحضر الطعام للمقاتلين، ولا أبخل بالنصيحة لمن يحتاجها منهم. أرفع من همة اليائسين”.
تعرض بيت أم عبدو للمداهمة من قبل قوات الجيش النظامي مرات عدة. “لكثرة المخبرين والجواسيس في المنطقة” بحسب قولها. كانت تتنقل بين بيتين، بيت معروف للجميع وبيت آخر عند أطراف المدينة، كانت تؤوي فيه الثوار الجرحى، من دون أن يعرف أحد بوجودهم. كانت حريصة على سلامة الثوار إلى حد كبير. هذا قبل خروج الجيش من المنطقة وتحرير معرة النعمان بالكامل، وذلك في يوم الاثنين 9تشرين الأول 2012. تقول أم عبدو “الآن أعمل في المجال الاغاثي، أرشح للجمعيات الخيرية أسماء أكثر العائلات تضرراً، والفقراء والمحتاجين والأيتام والأرامل، وذلك ليرسلوا لهم المساعدات”.
استشهد الشيخ علي (51عاماً) إمام جامع بلال الحبشي في المعرة مع إبن أخيه عامر(24عاماً) نتيجة لقصف الجامع من قبل طائرات النظام، الشيخ علي إبن أم عبدو وعامر حفيدها. تهدم منزلها أثناء تفكيك أحد الصواريخ غير المنفجرة في الطابق السفلي. كانت حينها في المنزل ما أدى لفقدانها أربعة من أحفادها إضافة إلى زوجة إبنها، وعدد كبير من الثوار والخبراء ممن كانو يقومون بتفكيك الصاروخ. وحدها لم تصب بأي أذى.
تعيش أم عبدو اليوم مع بعض الأبناء والأحفاد في منزل أهل زوجها، هو منزل قديم وسط المدينة. أم أمجد إحدى جاراتها (48عاماً) تقول عنها “بارك الله في جارتنا أم عبدو فرغم أنها كبيرة في السن فهي لا تزال قوية، ذكية، فطنة ونحن جيرانها نشعر بأنها امرأة مباركة. فهي رغم أنها أمية إلّا أنّها تحفظ الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة”. أم حسن (52عاماً) الجارة الأخرى تقول “نحن وجميع من يعرف أم عبدو نطلق عليها إسم نادرة زمانها لا سيما بعد أن فجر منزلها وبقيت على قيد الحياة دون أن تصاب بجرح واحد”.
قائد لواء عمر بن الخطاب هو أبو بكر (56 عاماً) يصف أم عبدو، أمه، قائلاً “إنها امرأة شجاعة وحكيمة أطال الله بعمرها. أشعر بالفخر لأنها أمي ومن مواقفها الكثيرة أنها منعتنا من إعدام العساكر بعد سيطرتنا على حاجز الطراف، (الواقع بين دير سنبل ومعرة النعمان)، رغم أن هؤلاء الجنود لم ينشقّوا عن الجيش رغم تحذيراتنا لهم، وبعد أن وقعوا بأيدينا تشفعت لهم ونهتنا عن إعدامهم، وهم بدورهم قاموا جميعا بالانضمام الى الجيش الحر، وهم الان من خيرة جنودنا”.
أحد أقرباء أم عبدو ويدعى أبو عبد الرحمن (67 عاماً) يقول عنها “هي من خيرة النساء وأكثرهن أمانة وأمر بالمعروف. وهي مصلحة إجتماعية تصلح بين المتعادين والمتجافين وتحب كل الناس، وبالمقابل فهي محبوبة وتحظى بشعبية كبيرة”.
“فقدت العديد من أولادي وأحفادي ولست آسفة عليهم فأنا أحسبهم شهداء عند ربهم، ونيل الحرية لا يتحقق إلّأ بالتضحيات، والدماء التي ستزهر باذن الله نصرا مبينا”. بهذه الكلمات أنهت ام عبدو حديثها.