وعاد كشّاش الحمام إلى القامشلي

سوق الحمام في القامشلي تصوير عباس علي موسى

سوق الحمام في القامشلي تصوير عباس علي موسى

"وتعدّ تربية الحمام من العادات القديمة في كلّ من العراق وسوريا، حيث أنّ لها أسواقا ومهرجانات وطقوساً خاصة. "

“لقد ألقوا القبض عليّ بسبب الحمام، وما الضير في أن تكسب رزقك من هذه الطيور!” يقول أبو محمد الذي ألقت داعش القبض عليه أثناء عمله في تجارة الحمام ما بين الموصل والجزيرة (محافظة الحسكة)، وذلك في بدايات العام 2016.
وكان تنظيم داعش قد أصدر بيانا يحظر فيه تربية الحمام على أسطح البيوت، في ما أسماه ولاية الفرات، والتي تمتد من الأنبار في العراق إلى دير الزور في سوريا، وذلك في حزيران/يونيو 2015.
وتعدّ تربية الحمام من العادات القديمة في كلّ من العراق وسوريا، حيث أنّ لها أسواقا ومهرجانات وطقوساً خاصة. ويروي أبو محمد لـ “حكايات سوريا” كيف انتقل من تربية الحمام إلى العمل في التهريب بقصد بيع الحمام بين سوق الجزيرة والموصل ومدن أخرى في العراق.
داعش عزت الحظر ومنع تربية الحمام والاتجار بها إلى أسباب دينية. إلا أنّ البعض غمز إلى سبب آخر وهو قدرة الحمام كالزاجل في نقل الرسائل والسجائر الممنوعة، ولا يخفي أبو محمد أنّ عمله في ظلّ الحظر من قبل داعش صار أفضل، فالأسعار ارتفعت وذلك بسبب صعوبة نقلها وتربيتها.
تتردّد في المفاهيم الشعبية معتقدات بأنّ تربية الحمام تجلب الرزق لذا تجد بعضهم يربون الحمام حتى وإن بنوا القصور، فيما يقول البعض بما يخالف هذا المعتقد وهو أنّ تربية الحمام يقطع الرزق. والبعض يرى فيها حرجاً وإن كان يحبّ تربيتها، ولا تتركّز تربية الحمام في أطراف المدينة فقط، بل يربيها الكثيرون، لكنّهم في الغالب لا يكشّونها (كش الحمام وتوجيهه للطيران) بل يربونها للزينة.
لقمان حسين من مدينة قامشلي (42 عاما) وهو أحد مربي حمام الزينة يقول لـ “حكايات سوريا”: “لا أرى حرجاً في تربية الحمام، فهي طيور جميلة، وأستأنس بها، ومع أنّ البعض من المتدينين يرون فيها كراهة في الدين وإن لم تكن ترقى لدرجة التحريم”.
ويصرّح الشيخ قاسم إبراهيم (34 عاما) لـ “حكايات سوريا” : “أنّ الدين الإسلامي لم يحرّم تربية الحمام”. شارحا السبب وراء شيوع مثل هذه الفكرة إنّ بعض العلماء يرى أن كشّاش الحمام لا تقبل شهادته كقول ابن قدامة واللاَّعب بالحمام يُطيرها لا شهادة له”.
ويضيف الشيخ إبراهيم: “إلا أنّ هناك علماء أجلّاء كالإمام النووي قالوا ما يعدّ رأياً معتدلاً، حيث يقول: “اتّخاذ الحمام للفرْخ والبيض، أو الأنس، أو حمْل الكتب – جائز بلا كراهة، وأمَّا اللَّعب بها للتطيُّر، فالصَّحيح أنَّه مكروه، فإنِ انضمَّ إليْه قمار ونحوه، ردَّت الشهادة “، لذا نرى أنّه لا حرج في تربية الحمام والله أعلم”.
وبعيدا عن نظرة الدين فإنّ الأوساط الشعبية ذات اتجاهين ورأيين حيال تربية الحمام، فمنهم من يرى أنّها تهب الرزق لصاحبها، حيث يسرد لقمان حسين قصصا عن بعض العائلات التي كانت تربي الحمام وهي في حالة العوز والفقر وبعد أنّ أصبحوا أغنياء وأثرياء لم يتركوا تربية الحمام. وهم غالبا يربونها خفية عن أعين الناس، فهم يعتقدون أنّها تجلب الرزق.
في مقابل نظرة أخرى تقول أنّ تربيتها تجلب الفقر، وبين هذين الرأيين تجد مربي الحمام يرتادون أسواقها أيام الجمعة والآحاد في مدينة قامشلي بالقرب من سوق الخضرة حيث يجتمع العشرات منهم يعرضون طيورهم للبيع ويرتاد هذا السوق مربو الحمام ومحبّو الطيور.
يقول ابراهيم الحسين من ريف تل حميس (39 عاما) لـ “حكايات سوريا”: “آتي إلى مدينة القامشلي في كلّ جمعة بقصد زيارة سوق الحمام، أبيع أو أشتري، أو أتنقل ما بين مربي الحمام للمتعة في أحيان كثيرة، إلا أن السوق يشهد تراجعا في الطلب على “حمام المنفاخ”، أما زيادة الطلب على بعض الأصناف فمرتبط بحركة التهريب مع العراق خاصة”.
ولا يعلم بضعة ممن سألتهم ما إن كان أبو محمد عراقياً أو سورياً، موصلياً أو جزاوياً، لكن السوق يبدو سعيدا به وأمثاله، لأنّه يحرّك السوق ويجعل من تربية الحمام متعة فوق متعة.