مساحة آمنة للأطفال في مخيمات الشمال السوري
هبة خلال المعرض حيث تبدو أعمالها الصوفية تصوير سونيا العلي
تنهمك الطفلة هبة بتعليق ما نسجته من ملابس صوفية على الحائط، لتزين بها المعرض الذي أقيم ضمن إحدى مبادرات مشروع “حقي” في أحد مخيمات الشمال السوري.
مشروع حقي أطلقته الجمعية الإنسانية السورية للدعم والتنمية يهدف إلى توفير مساحة آمنة صديقة للأطفال واليافعين في المخيمات.
هبة (12 عاماً) تقول: “رغبت بتعلم مهنة نسج الصوف، لممارستها في وقت الفراغ بعد الانتهاء من دروسي، لذلك قصدت مركز حقي، حيث قامت المشرفات بتدريبي على المهنة، كما قام المركز بتأمين الصوف اللازم للعمل، وبعد إتقاني لهذه المهنة المحببة إلي، وبدأت أبيع ما أنتجه لمساعدة أسرتي في تأمين جزء من نفقات الحياة اليومية، من دون إهمال لواجباتي المدرسية طبعاً”.
ماهر الحمادي(33 عاماً) منسق المشروع يتحدث عن أهدافه قائلاً: “حقي هو مركز صديق للطفل. يقدم خدمات الحماية للأطفال واليافعين والأهالي، من خلال مجموعة من الأنشطة ضمن المساحات الصديقة للطفل التابعة للمركز، بهدف ضمان حقوق الأطفال واليافعين في المخيمات .”
ويقول الحمادي: “المشروع يشمل عدة أقسام منها أنا أتعامل الذي يستهدف الأطفال، ويتضمن عدة جلسات بإدارة مختصين لتعليم الأطفال كيفية التعامل مع الأقران والأصدقاء. كما يتضمن التوعية بمخاطر التسرب المدرسي وعمالة الأطفال، والأمراض السارية”.
ويضيف الحمادي: “إضافة إلى ما سبق هناك قسم مهارات الحياة لليافعين، حيث يتم تدريبهم على كيفية الاتصال والتواصل، وكيفية التعامل مع الآخرين، وكيفية إبداء الرأي وتنظيم الوقت وأصول التعامل مع المجتمع الخارجي، كما يتضمن عمل فريق المشروع أيضاً التدريبات والتوعية الوالدية التي تستهدف الأهالي والمجتمع حول مخاطر العقاب وآثاره والبدائل عنه وغيرها”.
ويبين الحمادي خلال حديثه لحكايات سوريا “أن المشروع يشمل تجمع مخيمات الكرامة وتجمع الرحمة ومخيمات قاح شمال غرب سوريا. ويركز المشروع على تنظيم نوادي مهارات حياة ومهارات قيادية للأطفال واليافعين، والقيام بمبادرات مجتمعية ينفذها الأطفال بشكل جماعي بهدف تشجيعهم على المشاركة والتعاون مع بعضهم البعض”.
ويشير الحمادي إلى أن “المشروع يقدم أنشطة الدعم النفسي الاجتماعي والأنشطة الترفيهية، فضلاً عن تدريب الأهالي داخل المخيم على التعامل مع الأطفال وخاصة من لديهم أبناء في عمر المدرسة. كما تقوم فرق المشروع بتدريب لجان من المجتمع على حقوق الطفل، وكيفية حماية الطفل في حالات الطوارئ والأزمات، والدفاع عن حقوق الأطفال في العيش ببيئة سليمة تمكنهم من التنشئة والتربية الصالحة، وتوفر لهم فرص التعليم والصحة” .
نزحت أم خالد (42 عاماً) من ريف حماة إلى مخيمات قاح الحدودية مع تركيا، تقول أم خالد: “أصيب الأطفال السوريون بجراح نفسية تلازمهم مدى الحياة، وتترك عواقب وخيمة على صحتهم ومستقبلهم، ولكن أصبح أولادي يعبرون عما يجول في خاطرهم من خلال مشروع حقي الذي استطاع أن يكسر حواجز الخوف والعزلة لديهم”.
وأضافت أم خالد: “تعرّفنا كأمهات خلال جلسات التوعية كيفية التعامل النفسي السوي مع الأطفال، حيث تعلمنا أن الطفل حين يخطئ، يجب عدم اللجوء إلى تعنيفه بالضرب أو الشتم، واستبدال تلك الطريقة بتعليمه الطريقة الصحيحة للتصرف في مختلف المواقف التي يمر بها خلال مراحل نموه .”
الحياة لم تعد ملونة كما كان يرسمها الطفل براء (8 أعوام) من مدينة خان شيخون، فيجلس منزوياً صامتاً يراقب رفاقه وهم يلعبون، حزيناً على والده الذي فارقه دون عودة. وعن ذلك يقول: “خسرت والدي خلال الحرب، كما فقدت عند نزوحنا من مدينتنا الحياة التي اعتدت عليها، بما فيها سريري وخزانتي وألعابي وأصدقائي.”
استفاد براء من مشروع حقي، وانضم إلى رفاقه لتلقي الدعم النفسي والأنشطة الترفيهية وعن ذلك تتحدث والدته قائلة: “انضم براء إلى أصدقائه في مشروع حقي الذي أعاد الأمل إلى حياته، والابتسامة إلى وجهه، حيث شارك مع أطفال المخيم بجلسات توعية للحد من ظاهرة انتشار العنف ضد الطفل داخل المنزل، والتعرف على أنواع العنف وأسبابه، وإعطاء بدائل العقاب المتبعة في المنزل ضد الطفل، وتوزيع البروشورات التوعوية لحماية الأطفال من كافة اشكال العنف والإساءة والاستغلال.”
المرشدة النفسية آلاء الصالح (30 عاماً) تتحدث عن معاناة الأطفال السوريين في ظل الحرب، ومدى حاجتهم لضمان حقوقهم في الظروف الاستثنائية التي يمرون بها. وتقول الصالح: “الكثير من الأطفال السوريين فقدوا أبسط حقوقهم بحياة كريمة وتعليم يرتقي بهم، فالآلاف منهم يجوبون الشوارع والطرقات للتسول، وآخرون يعملون بمهن شاقة بعد أن تركوا دراستهم، لذلك علينا أن نحيطهم بالرعاية والاهتمام، لإبعادهم عن الخوف والرعب الذي أصبح رفيقاً لهم منذ سنوات من خلال البرامج التي ﺗﺤﻘﻖ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻄﻔﻞ، ﻭﺗﺠﻌﻠﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻧﺴﺠﺎﻣًﺎ ﻣﻊ الحياة الصعبة، ﻭﺗﺄﻗﻠﻤًﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﻲ نعيشها.”
وتشير الصالح إلى “أن الكثير من الأهالي كانوا يعتقدون أن مهمتهم تنحصر في توفير متطلبات أبنائهم فحسب، لكن المشروع علمهم أن إنجاب أطفالنا لا يعني أبداً حريتنا في التصرف بحقوقهم، حيث يجب أن نراعي مشاعرهم وطموحاتهم، كما يجب أن تخلو نبرة الكبار مع أطفالهم من الأمر أو التحكم، إلى جانب عدم استخدام التهديد، لأن ذلك يقلل من ثقة الطفل بنفسه، ويفقده الشعور بالأمان والاستقرار اللازمين لنموه النفسي والجسدي معاً” .
وتضيف الصالح: “يبقى الأطفال الفئة التي فقدت خلال الحرب طفولتها وأبسط حقوقها، لذلك يحاول مشروع حقي أن يوفر مساحة آمنة لهم تضمن حقوقهم، وتنسيهم وجع الحرب وتداعياتها، وتعيد إلى نفوسهم الأمل بمستقبل أفضل .”