عملها بالمؤونة يقيها العوز
أم عبدو تحضّر المؤونة لبيعها
تنظر أم عبدو الحلبية، كما يحلو لجيرانها تسميتها، إلىالأوعية الزجاجية حيث تحتفظ بربّ البندورة والمخلل. تمسحها بقطعة قماش مبللة بالماء من آثار تعبئتها، لتحضيرها لتكون جاهزة ليأخذها من طلب منها أن تصنعها له.
أم عبدو (53 عاماً) أرملة من حلب، تسكن في مدينة الأتارب بالريف الغربي لمحافظة حلب برفقة أولادها، لم تهزمها الحرب والتهجير فعملت على إيجاد مصدر رزق تعيل به أسرتها بحسب إمكانياتها.
ربّ البندورة أو “ميّة الفرنجي” التسمية المحلية لدى أهالي المنطقة، يحتاج إلى أيام من العمل المتعب نوعاً ما. تنقل أم عبدو مواد المونة الموصاة على عملها بواسطة عربة أطفال قديمة. ويتم النقل على دفعات بحسب الكمية. وبحكم بيتها القريب من السوق تجد أم عبدو متعة في شراء المواد المتوافرة،
لإعداد رب البندورة تجمع أم عبدو أسماء من يوصيها على ورقة وتحسب الكمية المطلوبة ليكون العمل دفعة واحدة.
تقول أم عبدو: “أذهب إلى السوق وأشتري الكمية المطلوبة، وغالباً ما تكون كمية كبيرة فهذا العام قد اشتريت طنّين من البندورة، لا أحضرها إلى البيت بل إلى المعصرة الآلية الموجودة ضمن السوق، لأحصل على الكمية كلها معصورة ومعبأة في أواني يفرغها لي الشباب في بركة كنت قد صنعتها على سطح المنزل”.
تبدو أم عبدو سعيدة وهي تروي لنا أن عصر البندورة الآلي قد وفّر الكثير من الوقت والجهد عن السابق بحيث كانوا يعصرونه يدوياً.
وتكمل أم عبدو: “بعد ان يصبح عصير البندورة في البركة، تبدأ مهمتي في العمل على تحريكه بشكل يومي وتنظيفه من الشوائب التي جاءت الرياح بها. وهكذا حوالي 4 أو 5 أيام بحسب حرارة الشمس. ثم أجمعه وأضيف إليه كمية معينة من الملح لأعبئه في أواني وأبيعه بالكيلو غرام الواحد”.
أغلب زبائن أم عبدو من النساء الموظفات وبعض من أسمتهم “بالجيل الجديد” اللواتي لا يعرفن الطريقة.
لا يقتصر عمل أم عبدو في مجال المؤونة على المخللات وربّ البندورة. فالسيدة سناء العلي مثلاً جارتها تثق بعمل أم عبدو ونظافة منتجاتها وتشتري منها أغلب مؤونتها.
وتقول العلي: “مجال عملي يأخذ الكثير من وقتي وتركيزي بحيث لا أجد الوقت الكافي لصنع أغلب مؤونة بيتي فأوصي جارتي أم عبدو على تضير الباذنجان للمحشي، وتيبيس النعناع وعمل القليل من المخللات وأشتري منها قرابة الـ 15 كيلو من رب البندورة”.
سناء العلي تشتري المؤونة من أم عبدو أيضاً لإخوتها وزميلاتها الموظفات ممن ظروف عملهن لا تسمح لهن بعمل المؤونة التي لها أوقات محددة من السنة.
تقول أديبة ام إبراهيم وهي موظفة في إحدى المنظمات: “السوق مليء بالمؤونة الجاهزة لكني لا أستطيع أن أشتريها إلا من شخص موثوق بنظافته”.
طبعاً أرباح أم عبدو ليست خيالية لكنها تغنيها عن حاجة الناس وتعينها على تربية أطفالها الأيتام بحسب قولها. بأرباح ربّ البندورة تشتري حطباً للتدفئة في الشتاء.
ويستمر عملها بشكل متقطع بحسب مواسم المؤونة. فبعد ربّ البندورة تعمل في تكسير وتكليس الزيتون لكنها لا تشتري الزيتون بل تحضره لها النساء لتكسره وتكلسه بأجر، وبعد الزيتون تعمل بمواد أخرى بنفس الطريقة.
أما في الشتاء فالعمل نادر جداً لكن لا ينقطع، تقول أم عبدو: “في الشتاء يختلف عملي فليس هناك من مواد غير اللفت تصلح للمؤونة. لكن عملي يستمر بشكل متقطع فأعمل على لفّ اليبرق مثلاً حيث تحضر لي السيدات الأرز واللحمة وورق العنب وأقوم بتتبيله ولفه لتأخذه صاحبته وتطبخه هي وتعطيني أجري المتفق عليه”.
ويعد فصل الشتاء هو أصعب الأيام على هذه الأسرة التي تفتقد المعيل، لذلك يجب ان يكون العمل منظماً منذ الصيف. فالأهم هو تأمين الحطب ومؤونة بيتها ريثما ينتهي الشتاء، ويأتي الربيع لتعود لعملها الذي يبدأ مع الربيع بتفريط البازلاء والفول ويستمر باختلاف المواد حتى بداية الشتاء.