جميعهم يستحقون الحياة
صورة من الأرشيف
لم أرغب يوماً بمغادرة سوريا، ولا حتى بالعيش خارج مدينتي. لكن الحصار الذي فرض عليها، وتعرضها للقصف اليومي، واستحالة الحياة فيها أرغمنا على ذلك. فلا خدمات ولا دواء ورائحة البارود تقيم معنا في منازلنا.
توجهنا إلى العاصمة دمشق، لكنها لم تكن أكثر أمناً بالنسبة لنا. فنحن أبناء مدينة مغضوب عليها من قبل النظام السوري.
لم نسلم من إزعاج وتشديد الحواجز الأمنية في المدينة.
قرر زوجي السفر، لم يعد بمقدوره متابعة العيش في البلد. نال ما نال من مضايقات الحواجز الأمنية إضافة لسوء أوضاع العمل. لم اقتنع بفكرته، فما زال لدي بعض الأمل بإمكانية العيش هنا. امتثلت لرغبته، رغم أن قناعتي كانت عكس ذلك تمامأً.
اضطررت لزيارة طبيب الأطفال من أجل ابنتي. تعاني لجين من الكوابيس التي لا تفارقها ليلاً منذ تعرض منزلنا للقصف أثناء وجودنا فيه. تردد ابنتي عبارات مؤلمة اثناء نومها “حرقوني_ ضربوا بابا _ حرقوا أغراضي”. بالإضافة لظهور ما يسمى بـ”الثعلبة” في رأسها (مرض يصيب بصيلات الشعر، لا يؤدي إلى موتها. ويظهر بشكل مفاجئ، أحيانا بعد التعرض لوضع نفسي سيئ) إثر الحالة النفسية التي عاشتها، والرعب الذي عانته جراء قصف منزلنا ونحن بداخله.
أثناء وجودنا في العيادة، كنا نسمع أصوات القذائف التي تندفع من المدفع الموجود في أحد المراكز الأمنية القريبة منا.
إجابة الطبيب حينها كانت مختصرة جداً. “هذا ما تعاني منه ابنتك، ولا أملك الدواء المناسب لهذا الأمر”.
أخذت ابنتي لجين، وعدت وأنا أودّع الشام. أيقنت حينها أن قرار زوجي كان صائباً.
كان لا بدّ لي من أن أودّع عائلتي قبل السفر. توجهت إلى بيت أهلي لأخبرهم بقرار سفرنا. رأيت دموعهم تودعنا، وتقول بأمان الله. رأيت الفرحة في دموع أمي . فهي ستطمئن على فرد من أفراد أسرتها. خجلت من دموعهم، خجلت من قراري. وكأني أقول لمن عمل على تربيتي وتعب عليَ يوماً: حياة أطفالي أهم من حياتكم. حياة أطفالي أهم من حياة أولاد أختي.
حياة أطفالي أهم من حياة أطفال بلدي.
سامحوني : حياتكم مهمة. كلكـــــــم تستحقون الحياة. لكنني أنقذت من استطعت انقاذهم.
أنقذوا من تبقّى من أطفال بلدي. انقذوا إخوتي. أنقذوا أولاد أختي. جميعهم يستحقون الحياة.