انتشار السلاح بين المدنيين في ريف إدلب
من نشاطات حملة لا للسلاح بين المدنيين
"أصبح الحصول على السلاح في المناطق المحررة، أمراً بالغ السهولة. وذلك نظراً لانتشار المحلات التجارية التي تقوم ببيع وتصليح كافة أنواع الأسلحة الفردية."
قضى الطفل علي ابن العشر سنوات بعد اصابته بطلقة مسدس وجهتها إليه أخته علا التي تصغره بسنتين. كانا يلعبان بسلاح والدهما الذي نسي تخبئته قبل مغادرة الغرفة وإبعاده عن متناول أطفاله.
أصبحت الحوادث الناتجة عن سوء استخدام السلاح مشهداً اعتياديا في المناطق المحررة، وذلك نظرا لتزايد انتشاره بين المدنيين، بسبب تخوفهم من هجوم محتمل لقوات النظام والميليشيات الموالية له. إضافة لكثرة حالات الخطف والسرقة وعمليات تصفية الحسابات الشخصية. وكل ذلك يرافقه غياب قوة فاعلة تمنع حمل السلاح لغير المقاتلين والعناصر الأمنية.
والدة الطفلين علي وعلا، هيفاء الحموي (32عاما) تروي ما حدث في ذلك اليوم وهي تبكي: “اضطررت للخروج من أجل إحضار علبة حليب لطفلي الرضيع وكل الوقت الذي تركت فيه المنزل كان عبارة عن خمس دقائق فقط لأعود وأجد ولدي علي على الأرض ملطخاً بدمه بينما أخته علا تبكي بحرقة”.
كان يوما مأساويا بالنسبة للعائلة، وتحديداً الأم التي حمّلت المسؤولية لزوجها، الذي لم يخف السلاح عن الطفلين قبل أن يغادر الغرفة.
حادثة الطفل علي لم تكن الوحيدة. وانما هنالك عدة حوادث مشابهة. ومنها اصابة الطفلة مريم (12عاماً) أثناء لعب أخوها بالبندقية. وهو ما تسبب لها بإعاقة في يدها نتيجة الحادثة. تقول عمتها أم حسين (45عاما) “لقد أجري لمريم عدة عمليات لعلاج يدها ولكن دون جدوى. أعصاب يدها تضررت الى حد كبير” .
لم تقتصر حوادث انتشار السلاح بين المدنيين على الأطفال، فالشاب وائل (22عاما) هو الآخر كان ضحية لهذه الظاهرة. كان صديقه عمر قد طلب منه تصويره وهو يحمل السلاح. وقع السلاح من يد عمر فانطلقت منه رصاصة استقرت في صدر وائل مودية بحياته.
كان حادثا مؤلماً، لا يغيب عن مخيلة عمر. لم يكن ليتوقع يوماً أن يكون سببا بوفاة صديقه المقرب، والذي كان على موعد زفافه بعد أيام، ومنذ ذلك اليوم وعمر مصاب باكتئاب شديد، واضطر أهله لدفع مبلغ وقدره 3 ملايين ليرة سورية لأهل وائل ليسقطوا حقهم.
أصبح الحصول على السلاح في المناطق المحررة، أمراً بالغ السهولة. وذلك نظراً لانتشار المحلات التجارية التي تقوم ببيع وتصليح كافة أنواع الأسلحة الفردية. فهي تؤمن لزبائنها كل ما يطلبونه من أسلحة أو عتاد أو لباس عسكري .
أحمد العبد (40 عاماً) تاجر سلاح ومالك أحد المحلات يقول: “إننا في حالة حرب، والأسلحة ضرورية، إن لم تكن للمشاركة في إسقاط النظام الظالم، فمن أجل الحماية الشخصية من الخطف والسرقة”.
ويضيف العبد: “لقد فتحت محلي هذا نظرا لإلحاح الناس بطلب السلاح في وقتنا الراهن. وبالوقت ذاته فهي تجارة تعود علي بربح جيد”. ويوضح بأن ما يحصل من حوادث عن طريق الخطأ ليس من مسؤوليته، وإنما من مسؤولية من يقوم بحيازة السلاح دون دراية باستخدامه، ومعرفة مدى خطورته على أولاده والناس من حوله .
بلال (18 عاما) أحد المراهقين الذين يتباهون بحملهم للسلاح، بحجة الانتماء لإحدى الفصائل. تعرض بلال للاعتقال من قبل الجهات الأمنية، نتيجة إطلاقه النار على أحدهم وإصابته.
عن هذا الواقع يقول أبو محمد (38 عاما) “هذا الأمر خطر جدا، فهؤلاء الشباب الطائشين لا يتوانون عن إشهار السلاح بوجه بعضهم حتى لأتفه الأسباب”. أبو محمد كغيره يوجه تساؤلات كثيرة لقادة الفصائل والجهات الأمنية في المنطقة لعدم قدرتهم على ضبط السلاح ومنع الخروقات والتصرفات الرعناء التي تحدث.
ويضيف أبو محمد “ألا يكفي بأن المواطن السوري أصبح عرضة للموت بأي لحظة، بفعل طائرات النظام ليأتي احتمال الموت أيضاً قصداً أو عن طريق الخطأ، على يد حاملي السلاح المستهترين”.
من جهة أخرى يوضح أبا العباس (31 عاما) وهو قيادي في فصيل أحرار الشام بأنه ليس بإمكانهم منع الناس من أن يحموا أنفسهم. ويقول “كثيرا ما نجد جثثا لضحايا السرقة والاغتيالات هنا وهناك، ولهذا فإن المواطن العادي هو المعني بحماية نفسه ضد أي خطر ممكن أن يواجهه”.
ويشير أبا العباس لوجود عناصر أمنية لضبط مثل هذه الجرائم. غير أن جرائم القتل والانتقام تتم في الخفاء والمناطق الخالية من السكان، لذا فإن كل شخص بحاجة لحمل السلاح طالما “أننا في وضع حرب وفوضى”. وفي الوقت نفسه يحذر من عواقب الاستخدام العشوائي والغير مسؤول، والذي من الممكن أن يؤذي مقتني السلاح ويؤذي الآخرين.
محمد البيوش (40 عاماً) أحد أهم تجار العقارات في المنطقة، يقول لحكايات سوريا” لقد تعرضت لمحاولة اغتيال وسرقة من قبل بعض أصحاب النفوس الضعيفة، ولولا اقتنائي للسلاح في ذلك الوقت، والدفاع عن نفسي لم أكن لأتوقع ما الذي كان سيحل بي”. ويروي البيوش كيف باغت اللصوص بإطلاق النار عليهم، ما أدى لهربهم وإصابة أحدهم وهو ما مكن الجهات الأمنية من إلقاء القبض على جميع أعضاء العصابة.
الكثير من أهالي ريف إدلب يطالبون بوضع حد لانتشار السلاح بين المدنيين، والذي وإن كان مصدر ثقة بالنفس لصاحبه فإنه يتسبب بحوادث عديدة ومؤسفة. لدرجة أن الخوف بات ملازما للأهالي من أن يصابوا بطلقة طائشة في إحدى المشاجرات التي من الممكن أن تنشب في أي وقت.
ومن أجل مواجهة الظاهرة وأمام عدم تدخل الفصائل للحد منها اطلق ناشطو مدينة معرة النعمان في ريف إدلب مؤخرا حملة “لا للسلاح بين المدنيين”. وجاءت الحملة للتأكيد على خطورة وجود السلاح بين السكان، وبأنه حالة غير صحيحة وخطيرة ولها نتائج سلبية على المجتمعات .
شملت المرحلة الأولى من الحملة لصق البوسترات التوعوية في كل من المدارس والمراكز الطبية والجوامع والحدائق العامة والأسواق وأماكن التجمعات السكنية.
تضمنت البوسترات التوعوية عبارات تتناسب مع المكان مثل “مجرد رؤية السلاح في الشارع هو خطر!”، “لا تدخل بسلاحك الى المساجد فهي للعبادة وليست للقتال”، “المشافي والصيدليات والمراكز الطبية هي من أجل خدمة الأهالي، وزيارتها ممن يحمل السلاح ولو بنية طيبة يسبب خطرا شديد على المدنيين “، “الحدائق العامة وملاعب الأطفال هي أماكن للراحة والشعور بالأمان، سلاحك يدعو للقلق أبعده عن الأطفال، المناطق السكنية يجب أن تكون خالية من السلاح” وغيرها.
لم تقتصر الحملة على مدينة المعرة وما حولها وإنما امتدت الى مدينة سراقب وسلقين ومناطق أخرى من ريف إدلب، في خطة لتغطية جميع المناطق المحررة لاسيما في ظل حالة الفلتان الأمني المتزايدة التي تشهدها المحافظة حاليا.