أطفالنا طاقة في مركز عقول مبدعة
أطفالنا طاقة شعار وبرنامج عمل تصوير هاديا منصور
تقطع الطفلة رهف (10 أعوام) مسافة طويلة مع والدها كل يوم لتصل إلى مركز عقول مبدعة لذوي الإحتياجات الخاصة، حيث تتابع أنشطة تعليمية وترفيهية تساعدها وتسهل عليها الإندماج الفعلي في المجتمع .
تعاني رهف من بتر في قدمها اليمنى بعد تعرض منزلها للقصف أواخر العام 2017، تقول رهف: “أستمتع بوقتي في المركز ولا أريد المغادرة، هنا يتاح لي التعلم واللعب وصنع أشياء يدوية جميلة، والأهم من ذلك كله أن المركز ينسيني إصابتي”.
بجهود فردية تطوعية وتحت شعار “أطفالنا طاقة لا إعاقة” افتتح مركز عقول مبدعة بتاريخ 1 نيسان/أبريل 2019 في بلدة كفر ناصح في ريف حلب الغربي، للوقوف إلى جانب شريحة ذوي الإحتياجات الخاصة الذين زاد عددهم بشكل ملحوظ في الشمال السوري بعد سنوات من الحرب .
يضم المركز فئة الإعاقة الجسدية، شلل نصفي، بتر، تشوه، أمراض مزمنة، صم وبكم، مكفوفين، متلازمة داوون .
مدير المركز عمار هلال ( ٢٧عاماً) يحمل إجازة في إدارة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهو ذاته من ذوي الاحتياجات الخاصة بعد إصابة حربية تسببت له ببتر قدمه اليمنى وقصر بالطرف الأيسر. يقول هلال: “نظراً لتهميش فئة ذوي الإحتياجات الخاصة، وحاجة هذه الفئة للوقوف إلى جانبها تم إفتتاح المركز وبكلف تشغيلية تطوعية، بغية تحسين الواقع التعليمي والثقافي والنفسي لهذه الفئة من خلال إطلاق العديد من الأنشطة”.
ويشير الهلال إلى أن الأنشطة التعليمية تتضمن تعليم مسرع لفئة الإعاقة الجسدية، ولغة الصم والبكم، وأساسيات مبسطة في التعليم، متلازمة داون من الدرجة الأولى والثانية .
ويضيف الهلال: “ولتحويل فئة ذوي الإحتياجات الخاصة من فئة مستهلكة إلى فئة منتجة أطلق المركز أنشطة مهنية تسهم في زرع الثقة بالنفس، ودفع عجلة اندماج ذوي الإحتياجات الخاصة في المجتمع، وتلك المهن هي تعلم حياكة الصوف، صيانة الأدوات الكهربائية، الحلاقة، كوافيرة، الخياطة وغيرها من الأنشطة”.
رهام الحسن (15 عاماً) من فئة متلازمة داون، بدأت لتوها بتعلم مهنة حياكة الصوف اليدوية في المركز وهي من الهوايات التي تحبها. تقول رهام: “أحب أن أصنع ملابس صوفية لي ولأخوتي لارتدائها في فصل الشتاء، وربما سأتخذ هذه الهواية مهنة لي في المستقبل”.
يضم المركز جميع الفئات العمرية من سن الرابعة إلى ما لا نهاية، نشاط التعليم من سن الرابعة وحتى 17 عاماً وفق تعليم بنظام المدارس ودوام يومي مقسم حسب الفئة. ومن سن 18 وما فوق أنشطة تعليم مسرع ودورات محو أمية ودورات مهنية لجميع الفئات القادرة على العمل. أما فئة الشيخوخة فهي من المستفيدين بالمركز بخدمات طبية وأدوية.
ويعمل المركز على المتابعة الطبية وإدارة الحالة لجميع الحالات من خلال تأمين اللوازم الطبية من أجهزة مساعدة حركية وأطراف صناعية وسماعات أذن ونظارات طبية وأدوية .
الطفل عامر (12 عاماً) يعاني من نقص حاد في سمعه منذ الطفولة، ونظراً لأوضاع عائلته المادية الضعيفة لم يتمكن من الحصول سابقاً على سماعات أذن لإرتفاع سعرها. غير أنه حصل عليها مؤخراً من مركز عقول مبدعة وبشكل مجاني.
يتردد عامر اليوم على المركز بانتظام للتعلم ويقول: “صحيح، أنا اليوم أستطيع السمع بشكل جيد، بت أسمع أصوات من حولي، أنا سعيد بأن أسمع”.
أما بالنسبة للطفل محمد (9 أعوام) وهو نازح من ريف حلب الشرقي، عانى مع أهله مرارة النزوح منذ 7 سنوات، وحطت رحال عائلته أخيراً في قرية كفر ناصح.
أثناء جولات فريق عقول مبدعة لجمع بيانات أطفال ذوي الإحتياجات الخاصة تم اللقاء بالطفل محمد الذي يعاني أمراض عدة تمثلت في إنحراف وتيرة، ضمور عصبي بأطرافه، فتم دعوته للمركز وتقديم الرعاية التعليمية والصحية له.
بدا محمد مرتاحاً وفرحاً في يومه الأول في المركز، حيث تلقى بعض الأنشطة التعليمية والترفيهية وقدم له جهازاً طبياً مساعداً حركياً (ووكر) كي يساعده على الوقوف شامخاً في وجه إصابته الذي رفض أن يستسلم لها يوماً.
“يغطي المركز مناطق ريف حلب الغربي وإدلب، ويعمل حالياً على إفتتاح أفرع جديدة للمركز في المناطق البعيدة بعد الدراسة والإستطلاع عن أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة المتواجدين في تلك المناطق .يضم المركز 70 حالة دون 17 عاماً وأكثر من 130 حالة من 18 عاماً وما فوق، والعدد في ازدياد مع زيادة حركة النزوح في تلك المناطق” وفق ما أوضح هلال .
ويؤكد هلال أن المركز يهتم بإطلاق فعاليات فنية وثقافية بين الحين والآخر، ليبرهن للعالم من خلالها أن ذوي الاحتياجات الخاصة هم جزء لا يمكن إهماله في المجتمع وهم قادرون على فعل ما يمكن أن يفعله أقرانهم الأصحاء جسديا”.
المعلمة روان الطعمة (23 عاماً) حضرت عملاً مسرحياً للأطفال وعنه تقول أنه “يجسد معاناة الأطفال في الحرب وإصرارهم على الحياة، كان عملاً رائعاً أظهر هؤلاء الأطفال من خلاله بأنهم مبدعون حقاً وكونهم من ذوي الأحتياجات الخاصة أبداً لا يعني أنهم معاقون.”
وهي بدورها تشكر المركز على جهوده وتشدد على أهمية دعمه واستمراره وتوسيع أعماله ليتاح لأكبر عدد من هذه الشريحة الإستفادة من نشاطاته.
يعمل المركز بدوام رسمي كامل كل أيام الأسبوع ما عدا الجمعة والسبت من الساعة الثامنة صباحا ًوحتى الثالثة عصراً ويقسم الدوام على فترتين صباحية ومسائية .
ويسعى المركز للحصول على ترخيص من مديرية التربية والتعليم بمحافظة حلب الحرة من أجل التمتع بكافة الصفات الرسمية ووصول أكبر فائدة لذوي الإحتياجات الخاصة
بينما يعاني المركز من صعوبات عديدة أهمها عدم توفر الدعم المادي واللوجستي والتي تحد من الوصول الأسرع والأسهل إلى المركز وخدماته.
ويقول هلال: “تحملنا على عاتقنا كلفة المواصلات لفترة محدودة ولم نتمكن من الإستمرار بسبب عدم وجود الداعمين، وهو ما أدى لانقطاع بعض المستفيدين عن المركز بسبب عجز أهلهم عن تأمين وصولهم للمركز من مناطق بعيدة، وأما الأطفال المتواجدون بقرية كفر ناصح فقد أصبحوا قادرين على الدوام بشكل يومي دون مساعدة أحد” .
رغم إنعدام الأمن وقلة الدعم يسعى مركز عقول مبدعة للارتقاء بفئة ذوي الإحتياجات الخاصة ومساعدتهم وتأهيلهم ودمجهم بالمجتمع لتعزيز ثقتهم بأنفسهم والأخذ بيدهم ليكونوا أعضاء فاعلين ومنتجين.