بين شطري حلب التعليم المتردي فرضته المعارك
ألقت الحرب بظلالها الثقيلة على القطاع التربوي في حلب منذ أكثر من ثلاث سنوات. أصبح التعليم أمراً عسيراً على أبناء المدينة بشطريها أكان التابع للمعارضة أو للنظام بعد أن دُمر عدد كبير من المدارس الحكومية جراء القصف، وهاجر مئات المدرّسين خارج البلاد.
ووفقاً لإحصائية أعدّها تجمع المهندسين الأحرار في حلب فقد بلغ عدد المدارس المتضررة 77 مدرسة، موزعة على 17 حياً في مناطق سيطرة المعارضة. فيما أشارت إحصائية أخرى صادرة عن دائرة التعليم في مجلس محافظة حلب الحرة إلى أن ما يفوق الـ40% من إجمالي عدد المدارس تعرضت للقصف من قبل القوات التابعة للحكم في دمشق.
على وقع أصوات المدافع والطائرات يواصل نحو 90 ألف طالب في مناطق المعارضة تحصيلهم العلمي، بوسائل بسيطة ومدرسين متطوعين قد يفتقرون للمهنية والخبرة، ومناهج صنعها النظام بنفسه، في غياب البدائل في الوقت الحالي.
في مدرسة عمرو بن العاص في حلب القديمة، وضمن بناء المدرسة الأثري يواظب الطلاب على الحضور، رغم البرد القارس، وعدم تمكن المدرسة من تأمين الوقود للتدفئة.
علي (30 عاماً) يعمل كمدرس في مدرسة عمرو بن العاص يقول لـ “دماسكوس بيورو” متحدثاً عن صعوبات التعليم في مناطق سيطرة المعارضة : “لدينا مشكلة جوهرية وهي المناهج الدراسية فنحن لا زلنا نعلم الطلاب بمناهج النظام ذاتها، مع حذف لمادة التربية القومية التي كانت تتحدث عن بطولات النظام الوهمية وأبعد ما تكون عن القومية العربية”.
ويضيف علي: “نعاني من نقص كبير في الكتب المدرسية فعلى سبيل المثال هناك طلاب لم يحصلوا على كتبهم في مدرسة بحي المشهد حتى اللحظة، رغم أن العام الدراسي شارف على النهاية، فمسألة تأمين الكتب المدرسية نسبية بين مدرسة وأخرى”.
أما رواتب المدرّسين فهي بالكاد تسد الرمق، لكن علي ينظر إلى عمله كمدرس بصورة أخلاقية فلا يجب أن تتوقف مسيرة التعليم رغم ما يعترضها من مشاكل كثيرة لاتنتهي.
ويتقاطع رأي مدير المدرسة محمد شبيب مع زميله المدرس بأن معظم الجمعيات و المنظمات التي تقدم الدعم للمؤسسات التربوية تفرض أديولوجيات معينة ذات بعد ديني أو اجتماعي، في ظل غياب الدعم من وزارة التربية في الحكومة المؤقتة.
وفي ما يتعلق بالواقع التعليمي يعبّر شبيب لموقع “دماسكوس بيورو” عن رأيه القائل بـ”أن العملية مقبولة ضمن الإمكانات الضعيفة، فنتائج الطلاب في السنة الماضية ممن تقدموا للشهادة الثانوية جيدة، حتى الطلاب الذين تقدموا للامتحان في مناطق النظام حصلوا على درجات جيدة جداً”.
أما أبرز العقبات التي تواجه التعليم بحسب شبيب فهي القصف المستمر من طيران النظام بالبراميل المتفجرة، ونقص بعض المواد الأساسية كمادة التاريخ للصف التاسع، وغياب المدرّسين المختصين، وضعف التعويض المادي للمدرّسين الذي لا يتجاوز الدولار الواحد عن الحصّة الدراسية.
ويتمنى شبيب توفير الدعم المادي والتدريبي من وزارة التربية، وتأهيل المدرسين المختصين بالمناهج الحديثة.
على مقلب الطلاب كان الطلب الأكثر إلحاحاً تأمين التدفئة في المدارس وتحديدا في قاعات التدريس الكبيرة.
آمال الطالبة في الصف الثالث ترغب في أن تحظى بتشجيع المدرّسين لها في المدرسة فهي تملك طموحاً كبيراً للمستقبل. ولا تنسى آمال مطالبة الإدارة أن تجلب المدافئ لأنها تشعر بالبرد.
في المنزل تنتظر أم محمد أطفالها ريثما يعودون من المدرسة. هي تخشى عليهم من براميل الطائرات، وترى أن المدرسة تقدم الفائدة والتعليم بشكل متوسط، والذهاب إلى المدرسة أفضل من الجلوس في المنزل كما تقول.
في مناطق سيطرة النظام، تمكنت مديرية التربية من اخلاء معظم المدارس الحكومية من النازحين، كان هؤلاء اتخذوها مسكناً لهم منذ اندلاع المعارك في قلب المدينة. وعادت عجلة التدريس تدور فيها من جديد.
وبفعل انقسام المدينة فقد ارتفع عدد المدرسين ذوي الاختصاص الواحد لدى المدارس، لاسيما أن كثيرا منها ضمن سيطرة المعارضة، فأصبح دوام المدرس مختصرا إلى حد ما وفق ما قال لنا المدرس جهاد.
ويصف المدرس جهاد المستوى التعليمي في مدارس مناطق النظام بالمقبول، نتيجة توافر الكتب المدرسية والفائض من المدرسين المختصين، لكن الرواتب أصبحت لا تكفي لأسبوع واحد في ظل غلاء المعيشة وازدياد المصروف على الكهرباء.
في أحياء عدة من حلب كالفرقان وحلب الجديدة تنتشر المعاهد التعليمية الخاصة، وتلقى قبولاً كبيراً لدى طلاب الشهادة الاعدادية والثانوية في ظل تردي التعليم الإلزامي الحكومي. هذه المعاهد تتعاقد مع أساتذة ذوي خبرة في المناهج والتدريس، كما يشير أحد الإعلانات الخاصة بأحد المعاهد تلك.
ويقول أمجد وهو طالب في الشهادة الثانوية الفرع العملي أن المدرسة لايمكنها أن تقدم له المنهاج كاملاً، ومعظم المدرسين لا يتمكنون من استمكال المنهاج، الأمر الذي دفعه للتسجيل في معهد خاص بمبالغ مالية كبيرة.
يظهر جلياً أن المعارك الدائرة في المدينة زادت من تردي المسيرة التعليمية المتعثرة أصلاً قبيل اندلاع المواجهات العسكرية، ولن تنهض قبل أن تضع الحرب أوزارها.
*بعض الأسماء الواردة ي النص تم تغييرها بناء لطلب أصحابها.