قتل وخطف وسرقة في ريف إدلب
ساحة الدلة في مدينة معرة النعمان حيث تكثر حوادث القتل والخطف تصوير دارين حسن
"زادت وتيرة عمليات القتل في الآونة الأخيرة في المنطقة. فلا يكاد يمر يوم إلا ويعثر فيه على إحدى الجثث المرمية هنا أو هناك. أو من خلال تفجير السيارات المفخخة لاستهداف مدنيين وعسكريين من انتماءات مختلفة."
تعيش منطقة ريف إدلب حالة من التخبط الأمني، حيث يواجه السكان واقعاً لا يجد من يضبطه. دون أن تحرز اللجان الأمنية للفصائل العسكرية أي تقدم. ولاسيما على صعيد تحسين الوضع الأمني، لجهة ضبط الأمور وردع الفوضى.
وقد شهدت الآونة الأخيرة حوادث خطيرة، أثرت سلباً على نفوس الناس وأعمالهم ومنعتهم من ممارسة حياتهم الطبيعية. ومنها حوادث الخطف على يد تشكيلات إجرامية، وخاصة خطف الأطفال طمعاً بالثروة والمال، مستغلين عدم قدرة الضحية على المقاومة واستجابة الأسرة لمطالب الخاطفين لعدم تعرض الطفل للإيذاء.
في معرة النعمان قام ثلاثة أشخاص باختطاف طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات. والده أبو أحمد (39 عاماً) الذي طالبه الخاطفون بفدية، يقول: “كانوا 3 ملثمين خطفوا ولدي الصغير أسعد في وضح النهار. كان يلعب أمام منزلنا الواقع على أطراف مدينة معرة النعمان. لم نتمكن من معرفة هويتهم، وبعد ثلاثة أيام من انهيار الأعصاب والبحث المتواصل، تلقيت اتصالاً من الخاطفين يطلبون مني مبلغاً وقدره عشرة آلاف دولار مقابل ترك الصبي. وضعي المادي لم يسمح بدفع هذا المبلغ الكبير، وبعد مفاوضات معهم وافقوا على نصف المبلغ حيث قمت ببيع قطعة الأرض التي لا أملك سواها لإنقاذ ولدي”.
أبو الحسن (37عاماً) وهو أحد مقاتلي جيش الفتح، يتحدث عن ظاهرة الخطف وقد باءت بعض المحاولات بالفشل ويقول: “انتشرت مؤخراً ظاهرة الخطف. عمدت العصابات إلى خطف 7 أطفال في إدلب وريفها. وكثير من المحاولات باءت بالفشل. منها محاولة اختطاف فتاة عمرها 15 سنة في بلدة سرمدا”. ويعتقد أبو الحسن “أن هذه العصابات نشطت بعد تحرير محافظة إدلب بالكامل. بهدف زعزعة الأمان ونشر الخوف والرعب بين الناس. وبهدف إبعاد الحاضنة الشعبية عن الفصائل الثورية التي تدير المناطق المحررة “.
ويلفت أبو الحسن إلى أن هذه العصابات تتبع عدة خطط للإيقاع بالضحية. منها افتعال حادث من قبل سيارة أولى بحق طفل ما، فسرعان ما تأتي السيارة الثانية التي من المفترض أن تكون لإسعاف الطفل، ويكون بذلك قد خطف الطفل دون أي مقاومة منه أو من قبل عامة الناس، أو من خلال إنزال قاطع الكهرباء ليلاً وخطف الطفل الذي يخرج من منزله لرفع القاطع، أو من خلال التجول بسياراتهم لخطف أي طفل خارج منزله .
نزح كمال الشيخ أحمد (27 عاماً) من ريف حلب إلى مدينة جرجناز في ريف إدلب هرباً من القصف. فإذا بأخيه يتعرض لمحاولة خطف. يقول الشيخ أحمد: “في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حاولت عصابة تستقل سيارة شحن صغيرة بيضاء اللون خطف أخي مصطفى (10 أعوام) أثناء خروجه من المنزل لإحضار بعض الحاجيات من أحد المحلات التجارية، لكن الطفل صرخ عند رؤية الخاطفين الذين حاولوا الإمساك به مما لفت انتباه المارة فلاذ الملثمون بالفرار بسيارتهم فيما تمكن الطفل من الهرب”.
كما زادت وتيرة عمليات القتل في الآونة الأخيرة في المنطقة. فلا يكاد يمر يوم إلا ويعثر فيه على إحدى الجثث المرمية هنا أو هناك. أو من خلال تفجير السيارات المفخخة لاستهداف مدنيين وعسكريين من انتماءات مختلفة.
أبو راشد (30 عاماً) أحد عناصر فيلق الشام قال “عثرنا على جثث 6 شبان على حاجز معرشورين في ريف إدلب، قضوا نحبهم بمسدسات مزودة بكواتم صوتية، إثر هجوم مسلح من قبل مجهولين على الحاجز. وقد حدثت الجريمة صباح يوم الخميس 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لم يتم كشف هوية الفاعلين حتى تاريخه وبقيت الأسباب الدافعة مجهولة رغم متابعة الأمر من قبل اللجنة الأمنية للفيلق”.
وعن هذه الجرائم وغيرها يقول أبو عدنان (47عاماً) وهو أحد عناصر الشرطة الحرة في إدلب: “إدلب صغيرة جغرافياً ولكنها مكتظة بالسكان والوافدين بسبب التهجير القسري الذي يمارسه النظام من مختلف المناطق السورية باتجاه إدلب، ناهيك عن تشتت الفصائل وانشغالها بالخلافات في ما بينها، واكتفاء كل فصيل بحماية حواجزه وتسيير أموره الخاصة، وإهمال الجانب الأمني.
وإذ يلفت أبو عدنان إلى “عدم وجود مجلس مدني مختص بالأمن على الرغم من أن الشرطة في إدلب تقوم بدورها ضمن الإمكانيات المتاحة لها”. يؤكد “أن الشرطة الحرة قامت بعدة إجراءات للحد من الانفلات الأمني الحاصل، من خلال تكثيف الدوريات وغيرها. إلا أن ضبط الأمن يحتاج إلى مشاركة جميع الأطراف من مدنيين وعسكريين”.
أبو خليل (51عاماً) يرد سبب الفلتان الأمني إلى كثرة الحواجز بدون فائدة، واقتصار مهمتها على فرض الأتاوات والرسوم دون تدقيق أمني. إضافة إلى انتشار السلاح بأيدي عامة الشعب. ويقول: “أكبر المستفيدين من هذه الجرائم التي تحصل هو النظام الذي عمل على زرع خلايا نائمة في المنطقة لزعزعة استقرار الأمن وزرع الفتنة بين الفصائل. “
تعرضت سيارة أحمد العمر (38 عاماً) للسرقة من أمام منزله في قرية تلمنس بريف إدلب. يقول العمر: “في 20 كانون الأول/ديسمبر 2016، استيقظت صباحاً لأتفاجأ باختفاء سيارتي من أمام بيتي. علماً بأنها كل ما أملكه وقد كنت أعمل عليها لتأمين لقمة عيش أطفالي، ولا أملك في ظل هذه الظروف الأمنية السيئة ولو بصيص أمل باستعادتها”.
لاقت هذه الحوادث موجة استياء واسعة من الأهالي، الذين طالبوا الفصائل والجهات المعنية باتخاذ التدابير اللازمة لكشف الخلايا والعصابات المسؤولة عن هذه الأعمال، من خلال العمل على نشر حواجز أمنية معززة بعناصر مسلحة على مداخل ومخارج جميع مناطق إدلب لتعمل على ملاحقة المجرمين، والتأكد من هوية الأشخاص المشكوك بأمرهم، وتفتيش السيارات تفتيشاً دقيقاً.
عضو في المجلس المحلي في معرة النعمان أكرم الرزوق (45 عاماً) يعتبر: “أن الحواجز العسكرية قامت بدورها وأدت مهمتها بشكل دقيق. وكان لها الدور الكبير في الحد من الفوضى وانتشار العصابات. على أمل أن تستطيع ضبط الوضع واستعادة الأمان. فمهما تكن أسباب التدهور الأمني الحاصل في إدلب إلا أن الكارثة كبيرة تتفاقم يوماً بعد يوم، وتنهش بأجساد الأهالي بصمت ليكون المواطن هو ضحيتها الأولى.”