في تركيا مع زوجي بحثاً عن جامعة
انسة سورية تعطي درساً لاطفال نازحين داخل خيمة أقيمت كمدرسة مؤقتة لتعليم الأطفال في بلدة الغارية الشرقية بريف درعا الشرقي.
"والتحقت بالمعهد فرع الرياضيات. وتفوقت بفضل الله، وكنت مميزة وناجحة في اختصاصي ودرجاتي تدلّ على ذلك .نجحت بامتياز وترفّعت إلى السنة الثانية. "
لطالما قالت لي أمي وكررت يوميا على مسامعي: “لا شيء يا ابنتي أفضل من الدراسة والتفوق للبنات، فالوظيفة ضمانة لك ولمستقبلك”.
من هذه الكلمات كنت دوماً أستمد عزيمتي وإصراري على تحقيق حلمي. ألا وهو الجلوس على مقاعد الدراسة في الجامعة والتفوق فيها. بدأ ذلك الحلم في عام 2013، وكان المطبّ والعائق الأول.
كنت مقبلة على تقديم امتحان الشهادة العامة الثانوية للفرع العلمي. وكان التقديم آنذاك في مدينة إدلب حصراً. لم يكن من مركز لتقديم الامتحانات في بلدتي، معرة حرمة. والوضع كان كارثياً في مدينة إدلب التي كانت تخضع بشكل كامل لسلطة قوات النظام الحاكم في دمشق.
والدي رفض وبشكل قاطع فكرة تقديمي للامتحان في مدينة إدلب. حاولت كثيراً اقناعه لم يقتنع. شكًل بقائي في البيت ضربة أولى لحلمي الذي كنت متمسكة به. ولكن هذا الأمر من جهة أخرى شكًل حافزاً لي بعدم اليأس أبداً.
انتظرت عاماً كاملاً مرّ علي كسنوات طويلة، في عام 2014 ظهرت بعض الانفراجات. وخاصة في موقف أبي الذي أقنعه بعض أعمامي السماح لي بتقديم الامتحان، على أنني سأمكث فترة الامتحان عند بيت خالي المقيم في إدلب منذ سنوات.
وبالفعل رافقتني أمي وأختي الكبرى وذهبنا إلى بيت خالي. كنت مستعدة بشكل كامل للامتحان، درست جيداً. وساعدتني أيضا دورات التقوية الخاصة التي كنت قد تابعتها في بلدتي. وبالفعل أنهيت تقديمي للامتحان بشكل جيدا جداً. وعدت وأمي وأختي إلى بلدتي وعيني وقلبي وحواسي كلها معلّقة بانتظار صدور النتائج .
بدأ حلمي يكبر ويكبر، وبدأت الافكار تأخذني يُمنة ويسرى، وبدا الوصول إلى هدفي وكأنًني أراه أمام ناظري. انقضى شهر كامل بعد الامتحان وصدرت أخيرا النتائج. ولم يخيّب الله أملي ولم يضيّع جهدي. مجموعي كان كافياً لأن أدخل الفرع الذي أحبه، جامعة الرياضيات. شعرت بالسرور والفرح ونظرت إلى المستقبل الذي يُفتح على مصراعيه أما طموحاتي وأحلامي.
وبعد صدور المفاضلة أبلغت أبي بقراري القاضي بالذهاب إلى إدلب مجدداً لكي أتسجل في الجامعة (فرع الرياضيات). وفيما كان أبي يفكّر بالأمر وصلتنا أخبار تفيد بتوقيف الجيش السوري لباص ركاب عند أحد المداخل الجنوبية لمدينة إدلب، وقد تم احتجاز كل من فيه اقتيادهم إلى جهة مجهولة.
بعد هذا الخبر جميع أهلي وأقاربي رفضوا فكرة ذهابي إلى إدلب للدراسة. رفضت فكرة البقاء في البيت بعد كل الذي وصلت اليه والنجاح الذي حققته، وحلمي الذي بات على مرمى حجر من تحقيقه. أصبت باليأس والكآبة مجدداً، وانطويت على نفسي أفتّش عن مخرج.
وشاءت الأقدار أن يعلن الائتلاف السوري في العام 2014، عن افتتاح معهد تعليمي في بلدة البارة في جبل الزاوية، والقريبة جدا من بلدتي. استجمعت قواي وقررت ألّا أضيّع ثانية من الوقت وذهبت والتحقت بالمعهد فرع الرياضيات. وتفوقت بفضل الله، وكنت مميزة وناجحة في اختصاصي ودرجاتي تدلّ على ذلك .نجحت بامتياز وترفّعت إلى السنة الثانية.
وفي العام 2015 تم تحرير مدينة إدلب بالكامل. فرحت للنصر والتحرير أكثر من فرحتي بدراستي وحلمي، كانت لحظات لا تنسى أبداً. وقررت التسجيل في الجامعة في إدلب بعد أن انتفت المعوقات، وبالفعل ذهبت إلى الجامعة وبعد معاينتهم لأوراقي الثبوتية ووثيقة تسجيلي في معهد البارة ودرجاتي في السنة الاولى، سمحوا لي بأن أكون في السنة الثانية في الجامعة.
لم أصدق بداية ما سمعت. كدت أصاب بالجنون من شدة الفرحة. بذلك لن تضيع علي سنة أخرى. وتابعت الدراسة، وأقمت في المدينة الجامعية بعد حصولي على غرفة في السكن، لم أتعَوًد الغربة أبداً، وكانت تلك المرة الأولى في حياتي التي كنت فيها بعيدة عن منزلي وأهلي تماماً، ولكن الحلم والطموح بالتخرج من الجامعة والتميز هو الذي أنساني الغربة.
ذات يوم تعرضت الأحياء السكنية والأسواق الشعبية في مدينة إدلب للغارات بشكل مباشر، ونجونا بأعجوبة. قررت الجامعة تعليق الدراسة لأجل غير معلوم بسبب القصف. عدت إلى بلدتي وأهلي وانتظرت الفرج.
في ذاك حصل ما لم يكن بالحسبان أبداً ولم يخطر ببالي ولو للحظة. تقدّم أحد الشباب لخطبتي، شجّعتني أمي على القبول فوراً وبدون تردد. فالشاب من ذوي الأخلاق الحسنة وأهله معروفين في البلدة بطيبتهم واحترامهم.
وقتها لم أعرف ماذا أفعل أو ماذا أقرر. وبعد استخارة قررت القبول بفكرة الزواج، مع عدم إهمال حلمي بمتابعة الدراسة تحت أي ظرف. كان الشاب حينها يعمل في احدى المنظمات في مدينة اسطنبول في تركيا. وكان اتفاق عائلي أن الزواج سيكون هناك.
وبالفعل لحقت بخطيبي إلى تركيا، وهناك تم الزواج وتحديدا في العام 2016. بداية كانت الأولوية لي ولزوجي الاستقرار فقط . زوجي قطع لي وعداً بأنه سيحقق لي حلمي بإكمال دراستي. بدأنا بالبحث عن جامعة سورية أو تركية أو غيرها. وبالفعل وجدنا الجامعة الافتراضية في اسطنبول والتي كانت حديثة العهد ولحسن حظنا.
اصطحبني زوجي إلى الجامعة، وهناك طرحوا علينا بعض الاسئلة وطلبوا مني الشهادات وسلمتها لهم، وأخبرونا أن النتائج بعد 28 يوماً. شعرت بأنني أولد من جديد وشعرت بأن الحلم عاد من جديد، وبعد انقضاء المهلة عدنا الى مقر الجامعة، وهناك تلقيت الخبر الذي انتظرته، تم قبولي بالجامعة في السنة الثالثة.
نظرت الى زوجي وابتسمت ابتسامة الامل، ابتسامة الثقة بالمستقبل. شكر زوجي الموظف المسؤول والذي فاجأنا بطلب دفع القسط.
قال زوجي للموظف السوري في الجامعة: “أي قسط هذا ؟ سمعت أن الجامعة أنشئت خصيصاً للطلاب السوريين في تركيا وبالمجان من دون مقابل”.
أخبرنا الموظف أنه ولكي نتمم تسجيلنا يجب علينا دفع القسط وقدره 800 يورو أو ما يعادل 1000 دولار اميركي سنوياً.
نزل كلام الموظف على قلبي كالصاعقة ولم أعرف ماذا أقول. حاول زوجي مواساتي، فلم يكن معنا المال الكافي لدفع ربع القسط المطلوب. عدت إلى المنزل محبطة حزينة.
ولكن هناك حقيقة حُفِرت في عقلي وقلبي ولا تراجع عنها أبداً. الحلم الذي نشأت عليه وبنيت عليه جميع الآمال وهو التخرج من الجامعة، وأن أقوم بدوري في مجتمع أساهم فيه بكل إيجابية. لن أتخلى عن هذا الحلم أبداً. وكلّي ثقة بالله أولاً وبعزيمتي واصراري ثانيا أنه سيأتي ذاك اليوم، وأدعو ربي أن يكون قريباً.
شيماء الهاشم (28 عاماً) من معرة حرمة متزوجة وأم لطفل تقيم في مدينة اسطنبول في تركيا. كانت في سنتها الجامعية الثانية قبل أن تتوقف عن الدراسة بسبب الحرب.