أنجبت طفلي الأول ولم يكن معي سوى والده

رجل وإمرآة سورية يحملون أكياس على أكتافهم في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا.

رجل وإمرآة سورية يحملون أكياس على أكتافهم في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا.

"لم أكد استمتع بولادة طفلي حتى برزت مشكلة أخرى نغًصت علينا الأمر. وهي تسجيل طفلي باسم والده في المشفى. لا يوجد إثبات مكتوب بأني زوجته، إقامته تذكر أنه أعزب. "

تتسارع الأحداث، بالأمس كنت طفلة وبعده زوجة واليوم أنا حامل بجنيني الأول، دون أن يكون بجانبي من يعينني في أيام الحمل الاولى.

أنطاكيا في الأول من فبراير/شباط 2017. يتحتم على زوجي العمل طيلة النهار وأنا جديدة في المدينة. لم تسمح ظروفي بعد بالتعرف على الجيران. كنت أعاني من علامات الحمل المختلفة، ومن دوار شديد بلغ أن فقدت الوعي في أحد الأيام.

ذهبت وزوجي إلى أكثر من مستوصف وأكثر من عيادة خاصة، ولأنني لا أحمل تصريح الإقامة أو ما يعرف بالكيملك كان الجميع يرفض استقبالي. إلى أن نبًهتني إحدى السيدات إلى أن أستعير الكيملك من احداهن، ليصرف لي الدواء.

وقت قصير مرّ، وانتقل عمل زوجي إلى مدينة اسطنبول في 23 مارس/آذار 2017. لم أنتبه أبدا إلى موضوع السفر الطويل والشّاق والذي أثّر على ظروف حملي، تحولت رحلة السفر الى خطر على الجنين تمثّل بنزيف حاد.

دخل الرعب والفزع الى قلبي وقلب زوجي الذي كان في حيرة من أمره. استشار أحد الاصدقاء فنصحه بالذهاب الى مركز الفاتح في اسطنبول، وهو يبعد عنا حوالي الساعة. وتحديدا إلى الطبيبة النسائية سوزان، وهي سورية من مدينة حلب.

وبالفعل اتفقنا مع الطبيبة على موعد سريع. قامت بمعاينتي وطمأنتني كثيراً على صحة الجنين وأخبرتني أنه نزيف خارجي ناجم عن السفر. ووصفت لي بعض الأدوية وأخبرتني بضرورة مراجعتها في كل شهر مرة .
أخذت نفساً عميقاً لأنني خشيت أن أكون على وشك فقدان طفلي الأول. وبعد عناء طويل مضت 8 أشهر من الحمل وبدأت بالشهر التاسع. وبدأت آلام الولادة تتسلل إلى أحشائي شيئاً فشيئاً.

انه أمر جديد عليّ ولم آلفه. أكثر ما شغل بالي هو ارتباك زوجي وخوفه الشديد من أي ألم يصيبني. في اليوم الثاني من الشهر التاسع بدأ الألم يزداد وأحسست بعدم القدرة على الاحتمال، وأجهشت بالبكاء. فاصطحبني زوجي إلى أقرب عيادة نسائية.

وبالرغم من وضعي المأساوي إلا أن الممرضة لم تسمح لي بالدخول لمقابلة الطبيبة. بل أخبرتني بضرورة أن أنتظر كباقي المرضى. وازداد الألم بشكل كبير وأحسست وكأن سكينا تقطّع أمعائي . مما أثار انتباه المرضى الذين يصطفون كل حسب دوره.

صرخت بعض النسوة بالممرضة أدخلوها إنها تلد. وعلى الفور قامت الدكتورة بفحصي ومعاينتي قائلة لي: “ستلدين خلال ساعات قليلة”. واخبرتني ببعض علامات الولادة التي يجب ان تحصل معي لكي أذهب للمشفى مباشرة .

وبالفعل بدأت بتجهيز نفسي لهذه الساعة التي كنت أخاف منها كثيراً. وفي المساء عاد الألم من جديد. كنت وحيدة وغريبة لا أجد من يقف بجانبي أو يساعدني، كنت أموت في كل لحظة ولا شيء يواسيني إلا أن تكون معي أمي أو أختي أو أي قريب في هذه المحنة.

بقي زوجي ساهرا طوال الليل يعد لي بعض المهدئات كالبابونج والنعناع. وبقينا هكذا حتى طلوع الفجر. وظهرت جميع العلامات التي حدثتني عنها الدكتورة سابقاً .

فجر يوم الأحد 8 أوكتوبر/تشرين الأول 2017، وقبيل ذهابي إلى المشفى أخبرت أهلي أنني سألد. واضطررنا للذهاب على جناح السرعة إلى المشفى. وهناك أدخلتني الممرضة بسرعة إلى غرفة التوليد. وقالت: ستلدين خلال ساعة.
وحينها بدأ الألم ولا أعرف موضعه تماماً، كنت أتألم من كل شيء، رأسي لم أعد أحس به ولا قدماي. آلام المخاض والبطن أصعب من الموت نفسه. أخبرتني الممرضة أن الألم سيزول بعد لحظات لان الطبيب قد وصل.
حين سمعت أن طبيباً هو من سيشرف على ولادتي قفزت من السرير ونسيت ألمي. وصحت بصوت عال: “طبيب! أموت ألف مرة ولا يكون ذلك”. رفضت الفكرة تماماً وزوجي رفضها أيضاً، ومن ثم غادرنا المشفى.

انتقلنا إلى مشفى آخر حيث رفضوا إدخالي لأنني لا أملك الكيملك وبعد الكثير من الأخذ والرد وبسبب خطورة حالتي، وافقوا على دخولنا للمشفى ومباشرة إلى غرفة التوليد. كان الاهتمام رائعاً وغاية في التفاني والممرضات في غاية الاحترام ولكني لم افهم على إحداهن أي كلمة.

وما هي إلا دقائق حتى بدأ المخاض الحقيقي، الذي انتهى بصوت طفلي الذي انتظرته طيلة تسعة أشهر، ذقت فيها آلاماً لا يعلمها إلا الله. ضممت طفلي بيدي وبين ذراعي، وعرفت معنى الامومة وذقتها لأول مرة.

لم أكد استمتع بولادة طفلي حتى برزت مشكلة أخرى نغًصت علينا الأمر. وهي تسجيل طفلي باسم والده في المشفى. لا يوجد إثبات مكتوب بأني زوجته، إقامته تذكر أنه أعزب. لم يقم بتجديد الإقامة بعد الزواج. تم تسجيل الطفل باسمي.

دفع زوجي مبلغ 1250 ليرة تركية تكاليف العملية وبدل إقامتي ليلة واحدة في المشفى. وطلب مني استجماع قواي وهمتي لأن وضعنا لايسمح أبدا بمكوثنا ليلة أخرى. نعم، لو كنت في سوريا لما اضطررت لكل هذا العناء، فالأمور في سوريا غاية في البساطة ولا تحتاج لمثل هذه الترتيبات.

ولكن الغربة والبعد عن الأهل والوطن له تبعاته وله مضاعفاته، ولكن الأهم بالنسبة لي أن طفلي بخير وهذا هو كل همي ومرادي.

شيماء الهاشم (24 عاماً) من معرة حرمة متزوجة وأم لطفل تقيم في مدينة اسطنبول في تركيا. كانت في سنتها الجامعية الثانية قبل أن تتوقف عن الدراسة بسبب الحرب.