رحلة البحث عن عمل في تركيا
امرأة تعمل في قطاف الطماطم في أحد المشاريع الزراعية بالقرب من مدينة حموريه في الغوطة الشرقية، الصور ملتقطة بتاريخ 01-08-2017.
"تقدم زوجي بطلبات توظيف لدى الكثير من منظمات السوريين في انطاكيا التركية، ولكن بلا جدوى. منهم من يريد الشهادة، ومنهم من يريد رسالة توصية. وهناك من يدعم أقرباءه ومعارفه للوظيفة. وبعض الجمعيات تشترط اتقان اللغة التركية"
بعد أن لجأنا أنا وزوجي وأولادنا إلى تركيا حاولنا بكل الوسائل الاعتياد على الوضع الجديد مجبرين.
تعقدت الأحوال والمدخرات تكاد تنفذ. وحياتنا كل يوم في نقص لا في زيادة. ماذا نفعل؟ سجّلت أطفالي في المدارس، وازدادت مصاريفنا فهناك متطلبات كثيره للمداس في تركيا. حاولنا جاهدين تأمين ما يلزم لهم ولكن إمكانياتنا قليلة.
استمر زوجي بالبحث عن عمل. وصار يسأل هنا وهناك، فهو يحمل شهادة معهد زراعي، وكان على وشك إنهاء دراسة الحقوق في التعليم المفتوح في سوريا. ولكن بسبب وتيرة الحرب لم يتمكن من إنهاء السنة الرابعة. ولأن الشهادة مطلوبة هنا، كانت فرصه في العمل قليلة، ولا مهنة لديه.
تقدم زوجي بطلبات توظيف لدى الكثير من منظمات السوريين في انطاكيا التركية، ولكن بلا جدوى. منهم من يريد الشهادة، ومنهم من يريد رسالة توصية. وهناك من يدعم أقرباءه ومعارفه للوظيفة. وبعض الجمعيات تشترط اتقان اللغة التركية.
قرر زوجي دراسة اللغة التركية. وذهب إلى معهد اللغة، وبدأ بتعلّمها، رغم توسطه في العمر فهو في الـ 45 من عمره. ولكنه كان راغباً بالتعلم. وحاول جاهداً رغم القهر وقلة الحيلة. وبدأ يرتاد المعهد 3 أيام في الأسبوع. صحيح أنها قليلة ولكن ربما تفي بالغرض.
مرّ قرابة الشهرين، وأنهى المستوى الأول، ولكن المعهد توقف عن العمل بسبب قلّة الدعم. فعاد زوجي للبحث مرة أخرى، وهو في حالة قهر شديد.
كنت أحيانا أغضب عليه. وأحيانا أسانده لأني أرى قلّة حيلته. وبعد فترة من الزمن أتى احد معارفه وعرض عليه العمل سائق سيارة توصيل لمعهد، فوافق فوراً. وبدأ العمل وفرحنا جميعاً وكأنه وجد وظيفة مدير مصرف. كنّا نقول المهم أنه عمل ونقوده حلال. كان الراتب قليل ولكن كما يقال البحصة تسند الجرة.
كان مدير المعهد شخص محترم وكلما حصل على دعم كان يزيد الرواتب. واستمرت الوظيفة لنحو 6 أشهر، حين أبلغ مدير المعهد زوجي أنهم سيتوقفون عن العمل وأنهم استغنوا عن خدماته. عاد الى المنزل وعلى وجهه علامات القهر والإنزعاج. وعندما أخبرني غضبت كثيراً وحزنت، فلم نكد نفرح بالعمل حتى انتهى.
وعاد زوجي للجلوس في المنزل. أحياناً تمرّ عليه أيام عدة لا يخرج من المنزل. وأحياناً يذهب ويمضي النهار في البحث عن عمل جديد، فقد عاد لنفس الدائرة.
إحدى الوظائف كانت تشترط إجادة اللغة الإنكليزية. وكان قد سمع عن معهد فذهب وسجل فيه .وبدأ الدراسة بجد. كانت لغته الانكليزية جيدة/ واستمرت الدورة أكثر من شهر، وقدم امتحاناً، ونجح فعلاً بتفوق. ولكن للأسف لم يجد الوظيفة تنتظره.
طلب مني أن نعود إلى سوريا. وكان يقول لي أن الجلوس تحت القصف أرحم من الذل والقهر الذي نعيشه. ولكني رفضت بشدة. فإلى أين سنأخذ أولادنا ونبقى هاربين بهم. خاف على الأطفال فسكت. واستمرت رحلة البحث عن عمل. حاول أن يعمل متطوعا في منظمة ولكن لا حياة لمن تنادي. وكأن الدنيا وقفت ضده وضدنا.
أما أنا فبدأت أعمل ببيع الملابس في البيت، لنساء الحي الذي نقيم فيه. ساندني ووقف خلفي ولكن داخله يغلي من القهر والعجز الذي يشعر به. واستمرت الأيام والعمر يتناقص. كنا ندخّر بعض المال لأيام قد تكون أصعب من هذه.
فكّرنا بمشروع محل بيع قهوة، ولكن مالنا لا يكفي. فعرضنا على أحد أقاربنا أن يشاركنا، وفعلاً قبل. وبدأ زوجي بالبحث عن المحامص والمحلات التي تبيع القهوة والموالح. وتقصّى الأسعار حتى وجد الأفضل. وبدأ بالبحث عن المحل المناسب.
اخترنا أن يكون محل القهوة في مدينة الريحانية التركية. وأن ننقل سكننا إلى هناك بحكم أن أكثرية السوريين يقيمون فيها. وبدأ البحث عن الدكان. واستعان بكل أصحابه وأقاربه للبحث معه. وكان أكثر الأحيان يمضي اليوم بطوله وهو يمشي من مكان إلى آخر.
بعض أصحاب المحلات كانوا يطلبون إيجارا شهريا مرتفعاً، وبعضهم كان يشترط تسديد إيجار سنة كاملة مسبقاً. واستمر زوجي بالبحث رغم الشروط التعجيزية قرابة الشهرين. قال لي أنه سينتقل للبحث عن محل في أنطاكيا لعلها أفضل. ولكنه واجه الشروط نفسها.
تعبنا وما زال زوجي يبحث. فالأمل لا ينقطع مع أن نفسه ملّت وسئمت. فهو لم يستطع الحصول على وظيفة. ولم يحصل شهادة لغه تركية، ولا يستطيع جلب شهادته من سوريا. وحتى الدكان لم يحالفه الحظ ويجده.
ياسمين كرم (38 عاماً) ربة منزل وأم لستة أبناء لديها عملها الخاص في تركيا.