أطفالي الذين عانوا من اللغة التركية في المدراس

انسة سورية تعطي درساً لاطفال نازحين داخل خيمة أقيمت كمدرسة مؤقتة لتعليم الأطفال في بلدة الغارية الشرقية بريف درعا

انسة سورية تعطي درساً لاطفال نازحين داخل خيمة أقيمت كمدرسة مؤقتة لتعليم الأطفال في بلدة الغارية الشرقية بريف درعا

"بعض الطلاب الأتراك، لم يتقبلوا الطلاب السوريين وحصلت مشاحنات بينهم ومشاجرات أحيانا. المدرسون أخذوا الأمر بروية وعلموا الأولاد عن كيفية التأقلم مع بعضهم ومحبة بعضهم البعض. "

ياسمين كرم

يبدو ان القدر، يحركنا حيث يشاء وكيفما يريد. قدري أن أصبح لاجئة سورية ويحمل أبنائي نفس اللقب. هنا ينظرون إلينا وكأننا نكرة. لماذا ألأن من حكموا بلادي استهانوا بنا وشردونا؟ وأجبرت على الهروب بأولادي لأحميهم من جحيم الحرب والدمار، لكي يصنعوا مستقبلاً جديداً خالياً من القتل والدماء والخوف.
أتينا إلى تركيا في 15 ديسمبر/كانون الأول سنه 2012 واستقرينا في جنوب البلاد في منطقة هاتاي. كنت مع زوجي وستة أطفال. لم يكن ابني الأصغر قد أكمل سنته الاولى بعد حين دخولنا إلى تركيا. تكبدنا الكثير من العناء والمشقة في بلاد غريبة اللغة والعادات والتقاليد.
بحثنا عن مدارس لأبنائنا لمتابعة دراستهم، فانضموا إلى المدارس السورية المؤقتة. صحيح ان هذه المدارس لم تكن ملائمة للدراسة بالشكل الصحيح، ولكن حاولوا قدر الإمكان أن يجعلوها مناسبة نوعا ما. وراح الأولاد يعتادون على هذه المدارس بأدواتها المتواضعة، وعلى المدرسين والمناهج المتعددة. كنا كل يوم في حال. تتغير الكتب والمناهج الدراسية وحتى اماكن المدارس.
عانى الأطفال من هذا الأمر، وتتشت أفكارهم فوق كل ماعانوه من ويلات الحرب ونارها. استمروا بمحاولة التأقلم مع المدارس ووضعها، على مدى 4 سنوات من سلبيات المدارس وإيجابياتها ومحاولة المدرسين جمع كلمتهم وطريقة تعليمهم.
في 22 يوليو/تموز 2017، قررت الحكومة التركية ضم المدارس السورية المؤقتة إلى مدارسها. كانت صدمة لجميع الطلاب والأهالي. كيف سيتقبلهم الأتراك معهم؟ ما هي مناهجهم؟ ماذا سيفهم الطلاب السوريون من كتبهم؟ كل هذه الأسئلة ليس لها سوى جواب واحد. ادخلوا وابدأوا العناء من جديد.
بداية وحسب القرار يتوجب دمج طلاب الصف الخامس والتاسع، ثم الاستمرار بتسجيل الطلاب الجدد من الصف الأول. كان لأبنائي في الصفوف المذكورة كلها نصيب في الدمج المذكور. بداية أحبوا الأمرـ وفرحوا لأنهم كانوا يتقنون اللغة التركية ولكن عندما فتحت المدارس أبوابها وبدأت الدراسة تغيرت أحوالهم.
بعض الطلاب الأتراك، لم يتقبلوا الطلاب السوريين وحصلت مشاحنات بينهم ومشاجرات أحيانا. المدرسون أخذوا الأمر بروية وعلموا الأولاد عن كيفية التأقلم مع بعضهم ومحبة بعضهم البعض.
ابني في مرحلة التاسع بدأ يتذمر، اتضح له أن لغة الدراسة تختلف كليا عن الكلام المحكي. وكل يوم يهدد بأن يترك المدرسة وأن المنهاج صعب، وأنه لا يفهم ما يقول المعلم، ويمكن أن يرسب. ونحن نحترق من القهر ونشجعه بقولنا: انت ذكي انت تستطيع التغلب على الجميع. كنا أحيانا نتشاجر معه ونجبره على الدراسة حتى بدأ يعتاد قليلا ويصبح له أصدقاء وبدأ يفهم المنهاج.
أما ابنتي الصغرى وهي في الصف الخامس، فكانت أشجع من أخيها. جابهت الموضوع بقوة أكبر، وتأقلمت مع الطالبات والمدرسين. ساعدتها صديقاتها التركيات في بعض الأمور. استوعبت المنهاج برويى وتأنّي أكثر.
العناء الأكبر كان مع ابني الأصغر (6 سنوات) في الصف الأول الابتدائي. هو لايعرف اللغة التركية ولا حتى الأحرف العربية. لم أستطع تسجيله في روضة الاطفال بسبب سوء الوضع المادي. كان يذهب باكياً ويعود شاكياً، وفي أكثر الاحيان يبقيني معه في المدرسة.
كان يقول: أخاف منهم، لا أفهم عليهم، لغتهم صعبة. لا يلعب مع أحد ولا يكلم أحداً، ولا يشارك في شيء. حتى بدأت أخاف عليه من صدمة نفسية. أحسست أن نفسيته تعبت. كنت آخذه بيدي وأعيده. وأحاول أن أعلمه كيف يتأقلم ويفعل مثل زملائه ويتعلم لغتهم، ويكتب ويتكلم مثلهم.
اقترب الفصل الأولعلى نهايته ونحن على هذه الحال. ثم بدأ رويداً رويداً يعتادهم ويعتاد اللعب معهم. وتعلم الكلام معهم باللغة التركية وكان لمعلمته فضلاً كبيراً في هذا فقد كان نفسها طويلاً معه ومع الأطفال السوريين غيره. والآن والحمد لله هو واخوته في الفصل الثاني من السنة الدراسية.
كانت سنة متعبة كثيراً وقاسية بداية. ولكن والحمد لله بدأنا نجني ثمرة تعبنا. أولادنا، منهم في الجامعة، ومنهم في المعهد التركي ومنهم في المدارس. والحمد لله يتابعون دراستهم بجد ونشاط ويرسمون مستقبلهم على أمل أن يكون مستقبلاً مزهراً جميلاً.
ياسمين كرم (38 عاماً) ربة منزل وأم لستة أبناء لديها عملها الخاص في تركيا.