وبدأ ابني يدرس الهندسة في تركيا

"اختار جامعة كرمان وهي تقع بالقرب من مدينة قونيا. تبعد عن انطاكيا مسافه 9 ساعات سفر. اختار دراسة هندسه الطاقة."

بسبب ازمه الحرب والمعاناة التي مررنا بها في سوريا ساءت حالة المدارس والتعليم. انقطع معظم الطلاب عن الدراسة ومنهم ابني الأكبر (15 عاماً).
في العام 2011، كانت سنة شهادة الاعدادية بالنسبة لولدي. كنا قد نزحنا طلباً للأمن، على أمل أن نعود عندما تهدأ الأوضاع وتفتح المدارس أبوابها من جديد. استمر ابني بمتابعة التحضير رغم صعوبة المر بسبب القصف.
ومع تصاعد التهديدات تركنا قريتنا بالتزامن مع موعد الامتحانات. كنا حينها في منطقة مجاوره لقريتنا. وأصبح أبوه يأخذه كل يوم لتأدية امتحاناته ويعود به. وكل يوم هناك قصف وقتل وشهداء حتى في أيام امتحان الطلاب لا يتركوهم ولا يتوقف القصف.
واستمر الحال حتى آخر يوم اشتد فيه القصف كثيراً. كنت أنتظرهما بخوف وعند ماعادا إلينا قالا أن علينا أن نترك المنطقة ولم يبق لدينا من ملجأ. فكانت وجهتنا تركيا.
وبعد فترة من وصولنا إلى تركيا أردنا أن نعيد أبنائنا إلى المدرسة. كانت أول ايامنا في تركيا صعبة جداً ومدارس السوريين قليلة. واجهتنا مصاعب كثيرة. فهذه المدرسة تعلّم منهاج النظام، وتلك تعلّم منهاج الائتلاف. وهذه تريد إدخال تعليم اللغة التركية وتلك تفضل اللغة الانكليزية.
ضاع الأولاد في هذه المعمعهةونحن أيضا، حتى مرت سنة أمضى أولادي نصفها اولادي في المدرسة والنصف الثاني في البيت. كان ابني الأكبر أصبح في المرحلة الثانوية. وبعد العطلة بدأت سنه جديدة وتعددت المناهج والمدرسين. وقتها بدأ ابني يعتاد المنهاج ويتعلم قليلاً من اللغة واعتاد على اصدقائه الجدد.
اجتهد واجتاز السنة بنجاح وامتياز. جاءت سنة الثالث ثانوي كان وقتها المنهاج المعتمد ما يسمى بكلوريا. كان ابني يسمع ممن قدموا قبله بأنه منهاج مخفف وأنه بسيط وسهل. وجاهدنا كثيراً معه حتى لا يستسهل ولكن بلا فائدة. اختلطت عليه الكتب وطريقة التعليم.
تشتتت أفكاره لم يكن يعرف على ماذا يستقر. وبعد دراسة سنة كاملة جاء الخبر الصاعق قبل الامتحان بأنه ليس لديه امتحان. فصعقنا جميعاً. ماذا بوسعه ان يفعل؟ لم يبق أمامه من خيارات. ضاعت سنة أخرى من عمره سدى.
تألّمنا كثيراً وتشاجرنا كثيراً معه. أحس وقتها بالوضع والسوء الذي أصابه. كان شاب مثل بقية الشباب في عمره متحمس للذهاب إلى الجامعة، والخروج من وضع المدارس وسوء حالها، ولكن جاء الذي لم يكن في الحسبان، ولم نسطع فعل شيء.وبقي في مكانه يراوح.
وجاء الصيف وبدأ يعمل. أحس بالقهر. أصبح يعمل ليستعد لسنة جديدة، ليدرس ويذهب إلى الجامعة. وعاد من جديد ‘لى مدرسة الفاتح التي تقع في مدينة انطاكيا.هذه المرة استطاع الطلاب فهم الدروس جيداً. إنه المنهاج السوري. وتأقلم رويداً رويداً.
وجاءت الامتحانات وما يسمى المعياري. .والذي تتجلى صعوبته بورود قسم كبير من الأسئلة من خارج المنهاج. حيث يقوم الطلاب بالإجابة على 160سؤال في مدة 180 دقيقة. بدأ الخوف يزداد في قلوبنا وابني بدأ يتشتت ذهنه من جديد. هل تذهب سنة أخرى سدى كما التي قبلها.
ذهب يوم الامتحان وكان خائفاً. لم يكن بيدي غير الدعاء له. والحمد لله تجاوزه بنجاح. بدأ بالاستعداد لدراسة اللغة التركية ومايسمى التومر. أملاً منه بدخول الجامعة. وقت التسجيل في الجامعة قدم أوراقه كبقية الطلاب وتم قبوله في عدة جامعات.
اختار جامعة كرمان وهي تقع بالقرب من مدينة قونيا. تبعد عن انطاكيا مسافه 9 ساعات سفر. اختار دراسة هندسه الطاقة. وبدأ هذه السنة اول سنة هندسة فيها. وأنهى الفصل الأول بنجاح ويتابع الفصل الثاني.
ياسمين كرم (38 عاماً) ربة منزل وأم لستة أبناء لديها عملها الخاص في تركيا.