ولادة زين وسرقة الفرح

لن أنسى فرحتي التي سرقوها منّي واستبدلتها بالدموع. كانت الساعة التاسعة صباح 15 شباط/فبراير 2013.  بدأت زوجة ابني تعاني من آلام المخاض، فجهزت حقيبة الولادة.

انطلقت إلى الشارع أدق على أبواب من تبقى من الجيران، الذين عادوا إلى المدينة بعد النزوح الثاني. كنت أبحث عن سيارة توصلنا إلى الطبيبة النسائية الوحيدة في مدينة كانت تعج بالأطباء. نصف ساعة و أنا أبحث دون جدوى، حتى استطعت أن أوقف سيارة لأحد عناصر الجيش الحر المنتشرين في المدينة. استجاب لطلبي وقام بتوصيلنا إلى العيادة، وهناك عند باب العيادة كاد أن يغمى على زوجة ابني المعتقل، وهي تصرخ وتنادي. كانت ترفض أن تدخل وهي تمسك بيدي تقول لي: “ماما أريد خليل ماما أريد زوجي، كيف سألد وهو ليس معي. يا ربّي كيف سأصبح أمّا لهذه الطفلة ولا أعرف أين والدها الآن”. كنت أحاول تهدئتها، و لكن دموعها وصراخها كانا أقوى من محاولاتي.

بدأت أدعو ربي أن يهوّن على دانيا ولادتها، ويخفف عنها أحزانها و يفرج عن ابني. كنت أمسك بيد ابنه الأول جود ذو العامين الذي بدأ ينسى صورة أبيه و بعد ساعة جاءت حفيدتي زين الى الدنيا، مسحت دموعي و باركت لدانيا وبدأت أخفّف عنها. جاءت ابنتي و بدأت تصور زين التي أسماها أباها قبل أن تولد، عندما علم أن زوجته حامل. قلت لابنتي: “صوري كل شيء لأن خليل عندما يخرج من الاعتقال يجب أن يرى هذه الصور، ويرى كيف جاءت ابنته الى هذه الدنيا”. أما دانيا فمسحت دمعتها و شكرت الله على طفلتها التي اكرمها الله  بها. في غرفة الطبيبة، كانت ولادة  حفيدتي الأولى لإبني الوحيد الذي غيبه الاعتقال عني منذ 18 تشرين الأول/ أوكتوبر 2012،  عندما اعتقلته قوات نظام الأسد المجرم بشكل تعسفي دون جريمة أو فعل يعاقب عليه القانون، فقط لأنه من دوما اعتقلوه.

سيدة وطفلتها تقطع الشارع أمام مبنى مهدم في حي المرجة في حلب. تصوير: حسام كويفاتية

عدنا إلى المنزل، وجاءت المهنئات تبارك لنا قدوم المولودة الجديدة. حاولت أن أرسم الفرحة والبسمة على شفتي وعلى شفاه عائلتي، ولكن ألم اعتقال ابني كان واضحا علينا جميعاً. كنا نكابر على جراحنا. لم أتخيل أنه في يوم من الأيام سيبتعد عني ابني كل هذا الوقت ودون أن أعرف مصيره.

كم كانت فرحته كبيرة عندما تلقى خبر أن زوجته تحمل طفلة وكم كان ألمنا كبيرا عندما ولدت زوجته تلك الطفلة وهو غائب. لا أعلم أي كلمات يمكن أن تعبّر عن حزني، ولكن كلما تذكرت تاريخ ولادة زين كلما كبر الحزن في نفسي أكثر، ولكني لم أفقد الأمل بعودة ابني.  وها هي زين تخطو خطواتها الأولى، وتنطق أحرفها الأولى، والأب ما زال غائباً. ولا يعرف لون عينيها أو لون شعرها أو جمال بسمتها.

حتى جود الذي بدأ حياته برفقة أبيه نسي أن وجوده، كم أحترق وأتألم عندما أراه وحيدا يحدق بالأولاد الآخرين الذين يصطحبهم آباؤهم ويلعبون معهم.

بعد عامين من ولادة زين قررت أن أدخل السرور على عائلة ابني المعتقل. أخبرت جميع الأصدقاء و الأقارب بأننا سنحتفل بعيد ميلاد حفيدتي زين، على الرغم من الحصار وفقدان أهم لوازم الاحتفال من طعام و شراب إلا أنني سأعدّ بعض طبخات الحصار التي تعلمتها كل نساء المدينة. وسوف أعد قطع البسكويت المحلى بمادة السكرين، لأنه لا يوجد لدينا سكر. أخبرت المدعوين بعدم إحضار الهدايا، فنحن نعيش في وضع حرب وفقر.  جاء يوم  15 شباط/فبراير 2015، حضرنا مائدة الطعام وبدأنا بالاحتفال ومحاولات بث الفرحة و البهجة تتخذ طريقاً لها بيننا. غنينا لزين و صورنا حفلة عيد ميلادها. بدأت تتمايل على أنغام الموسيقى وتحاول لفت أنظارنا بحركاتها الجميلة، وابتسامتها الرائعة. ما هي الا دقائق حتى غارت طائرة الحقد المجرم رامية بصاروخ قاتل على مدينتنا.  جفلنا جميعا في مكاننا، وبدأت زين وجود والأطفال الصغار بالبكاء. أعقب الغارة صوت سيارة الإسعاف المسرعة إلى مكان سقوط الصاروخ. وبدأ المنادي ينادي على مئذنة الجامع، ويطلب متبرعين بالدم لضحايا غارة الطيارة.

خرج الضيوف من عندنا، وبدأنا نعيد ترتيب المنزل من جديد لننسى الكارثة التي حصلت. حتى الفرحة المسروقة التي حاولنا أن ننتهزها اغتالها نظام بشار الأسد المجرم. لم يبق شيء إلّا وقاموا بتدميره سرقوا منا كل أشكال السعادة. لم أعد أستطيع ان أستمر في هذه الحياة أكثر من هذا، حتى أملي بعودة ابني إلى حضني والى عائلته بدأ يضعف. أصبحت أكره التواريخ والأرقام، لأنه كلما مضى يوم ذكرني بحادث مأساوي حصل معنا أو حل على بلدي بمصيبة جديدة.

 

عبيدة الدومية (51 عاماً)، تعمل في الحياكة والتطريز، أم لأربعة أولاد في المرحلة الجامعية. أم لشاب معتقل منذ أكثر من سنتين وشابة اعتقلت وتم إطلاق سراحها. قُتِل أخوها وعدد من أبناء إخوتها.