وتم وقف نزيف الثأر والدم العائلي
امرأة سورية تجلس بالقرب من أبنها الذي قتل بقصف لقوات النظام على أحياء مدينة درعا.
"وكان الأعلى هو صوت الدعاء بأن لا يموت خوفاً على عمي من جهة، وخوفاً من استمرار الدم بين العائلتين إذا مات من جهة أخرى"
كنت قد اجتزت الصف الثامن الى الصف التاسع. كنت انا وصديقاتي مقبلات على هذه المرحلة باندفاع شديد. كنا نعتبرها مرحلة مهمة إذ أننا اصبحنا على أبواب المرحلة الثانوية. كنا في فترة الصيف نتابع الدورات التحضيرية للمرحلة الثانوية.
وقتها صدر حكم عفو عن بعض المساجين في سوريا ومنهم من كان مسجوناً منذ أحداث العام 1982، كأحد جيراننا الذي أمضى في السجن 26 عاماً، وكانت القرية بكاملها قد جهزت له احتفالاً كبيراً تعبيراً عن الفرح بعودته للحرية. وتضامناً مع عائلته، أما الخراف فقد جمعت وجهزت للذبح من اجل اقامة الولائم.
في الصباح خرجت عائلته لاستقباله وإحضاره الى القرية. وعند وصوله بدأ الاحتفال وضجت أجواء القرية باصوات الطبول والزمور والفرح يغمر الجميع. واجتمعت نساء القرية لطهي الطعام في قدور كبيرة جداً وكان الشبان يقومون بنقل الطعام الى الخيام حيث الرجال مجتمعين من كل مكان.
الجميع يشارك في العمل تعبيراً عن فرحهم. استمر هذا الحال قرابة اسبوع لكن بعد فترة وبعد انتهاء الاحتفالات تغير كل شيء. وكأن هذا الإنسان انقلب رأساً على عقب. بدأ يفتعل المشاكل والمشاجرات في القرية. وفي النهاية وقعت مشاجرة بين أحد اقربائنا واقربائهم.
وتلاشت المحبة والالفة بين شبان العائلتين، وتحولت إلى كراهية وبغض. اثناء المشاجرة تم اشهار السلاح في وجوه شباننا واطلقوا النار عليهم. كانت حالة كارثية في القرية حيث أنه ولاول مرة يتم اطلاق الرصاص في القرية. أصيب 16 شاباً من عائلتي.
أصيب عمي بطلق ناري في بطنهـ مما ادى لنقله إلى المستشفى بحالة حرجة جداً. كنا نحسبه قد مات وبدأ البكاء والنحيب يعلو. وكان الأعلى هو صوت الدعاء بأن لا يموت خوفاً على عمي من جهة، وخوفاً من استمرار الدم بين العائلتين إذا مات من جهة أخرى.
بعد عدة ساعات جاء خبر سار لكنه لم يكن الخبر المنتظر. عمي ما يزال حياً لكنه ما يزال بحالة الخطر الشديد. بقي في غرفة العمليات ساعات طويلة، خلال هذا الوقت كان الصمت يطبق بالكامل على القرية وكان أفراد العائلة الذين أطلقوا النار قد هربوا خارج القرية خوفاً من ردة الفعل.
في هذا الوقت كان أبي هو المسيطر على الوضع بالكامل، وعلى فورة دم شباننا. كان ذو هيبة كبيرة ولا أحد يجرؤ على مخالفة قوله.
بدأ الصباح بالبزوغ، وكان عمي قد خرج من غرفة العمليات الى غرفة العناية المركزة. وبقي على هذا الحال ما يقارب 15 يوماً. وخلال هذه الفترة تدخل الأمن وما يسمى بحفظ النظام. وجاؤوا واقاموا في القرية تحسباً لأي أمرٍ طارئ .
بعد عدة أشهر أقبل العيد، وبدأت الناس تتجهز للعيد. لكن الوضع لم يكن قد هدأ بعد بين العائلتين. وأبناء العائلة الاخرى ما يزالون خارج القرية يقيمون في قرية قريبة. وكان قد جاء من السفر أحد أصدقاء أبي، كان يقيم في إحدى دول الخليج. وقرر أبي الذهاب مع اثنين من أعمامي لتهنئته بعودته بالسلامة.
كان الرجل يعيش في نفس القرية التي هرب إليها أبناء العائلة الأخرى. ولسوء حظ أبي ومن معه كانوا قد شاهدوهم لحظة دخولهم إلى القرية. فقامو بالهجوم عليهم ولسوء الحظ كانوا يحملون السلاح أيضاً. أطلقوا الرصاص وهربوا بعدها. رصاصتان اختارتا جسد أبي، استقرت واحدة في اسفل بطنه لكنها لم تسبب له اي ضرر، والاخرى في اعلى فخذه، كادت أن تسبب له شللاً نصفياً، لكنَّ الله حماه .
تم نقل أبي إلى المستشفى ايضاً، بقي يعاني مع الألم ما يقارب الشهر وهو مستلق في فراشه ل ايستطيع الحركة، إلّا بمساعدة شخص. وكان الألم يشتد كثيراً خاصة في أيام الشتاء والبرد … وعاد النزاع بشكل كبير بعد ان كان قد هدأ قليلاً .
في هذا الوقت وبسبب ازدياد المشاحنات بين العائلتين وخوفاً من أن تمتد إلى القرى الأخرى ولإنهاء حبل الدم بين العائلتين قام شيوخ القرى والعشائر في المنطقة بالتدخل لحل هذه المشكلة، واقامة الصلح بين العائلتين. قاموا بإحضار كبير تلك العائلة الى القرية مع عدد من شبانهم، وتعهدوا بألا يتعرضوا لأي شخص من عائلتنا أينما وجدوه، وبالمقابل تم التعهد أيضاً من شبان عائلتي بنفس الأمر.
هدأت النفوس قليلاً وبدأت غيمة الخوف تزاح قليلاً عن صدور الأمهات التي كانت تضج بالخوف كلما قرر أحد أبنائها الخروج من القرية .
حلا العبدالله (25 عاماً) متزوجة وأم لولدين نازحة في تركيا وتبحث عن عمل.