نجحت في الجامعة ولكنني تركت الوطن

امرأة سورية تجلس بالقرب من أبنها الذي قتل بقصف لقوات النظام على أحياء مدينة درعا.

امرأة سورية تجلس بالقرب من أبنها الذي قتل بقصف لقوات النظام على أحياء مدينة درعا.

"منذ أن كنت صغيرة كان عندي طموح كبير وهمة عالية تفوق همم زملائي في المدرسة لدخول الجامعة والحصول على أعلى الدرجات. كبر الحلم في داخلي كما نمت شجيرتي الصغيرة في حديقة منزلنا البسيط. "

حياة بسيطة وبيت قروي صغير كان يجمعنا. ستائره تضفي الدفء على نسائم الصيف… هكذا كانت طفولتي، ملؤها البساطة والسعادة معا….
أبي كان يعمل مدرساً للطلاب الابتدائي في المدرسة المجاورة. وكنت دائماً أرى على كتفيه حملاً يفوق طفولتي، كان يسعى جاهداً لتعليمي أنا وإخوتي من أجل مستقبلنا …أما أمي فكانت الوجه الجميل لحاضري وماضيي ومستقبلي…
لدي أربعة أخوة مثل الأزهار الجميلة علاء أحمد يمان وأنس… علاء يدرس الطب في جامعة حلب المحررة. أما أحمد فقد أخذ الثانوية العامة وينتظر القبول في إحدى الجامعات. وأما أنس ويمان فما ازالا في الإعدادية…
منذ أن كنت صغيرة كان عندي طموح كبير وهمة عالية تفوق همم زملائي في المدرسة لدخول الجامعة والحصول على أعلى الدرجات. كبر الحلم في داخلي كما نمت شجيرتي الصغيرة في حديقة منزلنا البسيط.
ظللت هكذا حتى وصلت إلى الثانوية العامة. قدمت امتحان الثانوية وانا بكل همة ونشاط، كانت نتيجتي جيدة جداً. ودخلت الجامعة وحصلت على مقعد في الصيدلة بجامعة حلب السورية كان ذلك بتاريخ الشهر العاشر من سنة 2010.
كنت فرحة جداً وأرى كل شيء جميلاً. كنت أرى المستقبل الزاهي يلوح بيديه لي، وينتظرني كل صباح لأجتاز المصاعب وأصل إليه . ومثل أي طالب جامعي أمضيت السنة الدراسية الأولى وكانت صعبة نوعاً ما. ولكن والحمدلله ترفعت إلى السنة الثانية بمعدل جيد جداً.. .
وبتاريخ 15 آذار/مارس2011، كنت في السنة الثانية. بدأت الانتفاضة السورية الكبرى. وشيئاً فشيئاً عمت الفوضى أرجاء البلاد، واتخذ الطلاب من الجامعة منبراً يصدح بانتفاضتهم اليتيمة، وزعموا أن النظام لن يجرؤ ويتخطى عتبات الحرم الجامعي، وحصل العكس تماماً.
أصبح من الشائع اعتقال الشباب والفتيات على الحواجز. وهجوم عناصر الأفرع الأمنية على الجامعات. واعتقال كل من يقع أمامهم من مدرّسين ومدرّسات، طلاب وطالبات، غير مكترثين بالصرح العلمي الذي أمامهم .
ومن الذكريات المؤلمة التي حصلت في حياتي الجامعية كانت بتاريخ 14 كانون الثاني/يناير 2012، عند الساعة الواحدة ظهراً. أول يوم امتحانات من الفصل الدراسي الأول، كنت في ذلك الوقت في القاعة اقوم بتقديم امتحان احدى المواد، وفجأة سمعنا صوت طائرة حربية في سماء جامعتي وتلاها صوت انفجار كبير وتعالت الصيحات ونداءات الاستغاثة من كل مكان …
عندها ألقينا بأوراق امتحاناتنا، وخرجنا هلعين نتحرى مالذي حصل! وبعدها بدقائق علمنا بالفاجعة الكبرى…
قد تم قصف الحرم الجامعي بغارتين جويتين راح على ضحيتها عشرات الطلاب. حصل هذا ولكن لا نعلم لماذا وكيف! قصفت المساجد… الكنائس… الجامعات… لماذا؟ لا أعلم!
بعد هذه الحادثة قطعت الاتصالات عن حلب بأكملها، وانعدم التواصل ولم أعد قادرة على التواصل مع أهلي. واستمر هذا الانقطاع لثلاثة أيام على التوالي. كان اهلي يحسبونني فيها من الشهداء …وفي تلك الأثناء بدأت أزهار جامعتي تذبل كما أزهار أحلامي.
الكثير من زملائي وأساتذتي غيبتهم عني غياهب السجن. ومنهم من توارى تحت التراب بطلقة قناص أو تحت التعذيب أو بقصف مدفعي استهدف بيوتهم وحاراتهم. رغم كل هذه المصاعب والمشقات صمدت… وتغلبت عليها. وأكملت دراستي رغم الظروف التي لاتنسى مصاعبها …
أتذكر جيدا عندما كانت عناصر الشرطة تقتحم الحرم الجامعي. وتضرب الطلاب وتعتقل كل من يقع فريسة لهم. وفي كثير من الأحيان ترمي بالقنابل المسيلة للدموع داخل الحرم الجامعي. كنا نركض ونختبئ هنا وهناك والرعب يخيم على المكان. كان المشهد يرثى له ، والغريب أننا كنا منقسمين في ما بيننا، فمنهم من هو مع هذه الأفعال، ومنهم من يتأسف على هكذا دولة وهكذا نظام حكم .
وفي أول كانون الأول/ديسمبر 2014، تخرجت من الجامعة تاركة خلفي سنين لاتنسى من المشقة… والقادم أعظم… عملت في أحد المشافي الميدانية كمسعفة، كنت أعالج الجرحى وخاصة الأطفال والنساء. كانت مشاهد الجرحى فظيعة، يستحيل أن يصدق العقل أنك تعيش في سوريا.
أذكر أن يوم زفافي كان مختلفاً جداً. كان خطيبي يعيش في تركيا وأنا أعيش في سوريا الجريحة. اضطررت لأن آتي إلى تركيا بطرق غير شرعية. كانت رحلة تشبه الحلم، خطيرة، وشاقة جداً. صعدت الجبال ومررت بالغابات الموحشة ونزلت في الوديان. كل ذلك كان خلال ساعات الليل المتأخرة.
تعرضت للخطر أكثر من مرة حتى وصلت إلى مدينة خطيبي. تزوجت وأنتظر اليوم مولودي الجديد، لأسرد له حكايات الزمن الغابر التي عشتها وعاشها الناس معي. وحتى الآن أطرق باب المستقبل المقفل ولكن دون جدوى. هذه قصتي التي تختصر مئات قصص الطلاب السوريين في بلادي الجريحة.
حلا عبدالله (25 عاماً) متزوجة وأم لولدين نازحة في تركيا وتبحث عن عمل.