ممنوع الإقتراب من نهر العاصي!
مضخة مياه على ضفة النهر تصوير إيهاب البكور
"هل أصبحت نقمة أن نكون في قرى حدودية تُطل على نهر العاصي؟ وهل مسموح أن يُقطع رزقنا من الزراعة، وأن نُحرَم من الإقتراب من مياه النهر؟"
يقول نزار “لقد عدتُ إلى حقلي، كما عادَ غيري من المزارعين… وسنظل نتردد إلى النهر، فهو مصدر رزقنا، ومياههُ ستبقى تروي أراضينا”. نزار، مزارع بسيط من بلدة عزمارين، في ريف إدلب على الحدود السورية التركية.
يجلسُ نزار فوق تلة، تُطل على الوادي الذي ينتهي بالنهر الفاصل بين الحدود السورية والتركية، حيث قطعة الأرض التي يملكها هناك. ويشير إلى الموقع الذي تعرّض فيه قبل سنة، للإصابة بطلق ناري مصدره موقع حرس الحدود التركية. وذلك خلال محاولة إحباط عملية تهريب على ما يعتقد.
عندما أصيب نزار كان يحاول تشغيل مضخّة الري على طرف النهر مع رفاقه، بهدف ريّ بستانه.
تتغير معالم وجهه وهو يروي تفاصيل الحادثة: “فوجئنا بأصوات حرس الحدود يصرخون: إبتعدوا! ابتعدنا مُسرعين، فهي ليست المرة الأولى التي يمنعونا من الإقتراب إلى ضفاف العاصي… لكن هذه المرة، لم يحالفني الحظ، وفيما كنتُ أركض أُصبتُ بطلقة نارية في ساقي فسقطت أرضاً…”.
تم إسعاف نزار الذي غاب عن أرضه لبضعة أشهر. ولكنه عاد إليها رغم كل شيء، فهي مصدر رزقه الوحيد.
“بتنا ننزل إلى الأرض عند التاسعة صباحاً بدلاً من السادسة كما جرت العادة. وذلك كي لا يظن حرس الحدود أننا مهرِّبون. ونبقى نعمل بخوف، وما أن نشعر بوجود الحرس بقربنا، حتى نهربُ فوراً!” يقول نزار بأسى.
قصة نزار، واحدة من قصص كثيرة، لأهالي القرى المُحيطة بنهر العاصي على الحدود السورية التركية. فمع بدء الحراك في سوريا، بدأ الناس يهربون باتجاه تركيا… وتزايدت ظاهرة تهريب السلع بالإتجاهين.
وحين فرضت تركيا تأشيرة دخول للسوريين، انتشرت ظاهرة تهريب العوائل الفارّة من الحرب… ومن بين نقاط التهريب، نهر العاصي.
في البداية، لم يكن حرس الحدود يُحرِّكُ ساكناً كما يقول نزار، لكن بينَ ليلة وضحاها أصبح يمارس التشديد على كل مَن يقترب من نهر العاصي. ويسأل نزار: “هل أصبحت نقمة أن نكون في قرى حدودية تُطل على نهر العاصي؟ وهل مسموح أن يُقطع رزقنا من الزراعة، وأن نُحرَم من الإقتراب من مياه النهر؟”
يقطن الدكتور حسن غنَّام، في منزل يُطل على النهر في بلدة عزمارين! يقول غنام لحكايات سوريا: “لا تقتصر المعاناة في منطقتنا على المزارعين وأصحاب المواشي الذين كانوا يسرحون بماشيتهم على ضفاف النهر، لكن تطال كل الأهالي في القرى المحاذية لنهر العاصي على حدود تركيا… فعلى سبيل المثال، لا بدَّ لنا أن نمر على الطريق القريب من النهر كي نتنقّل بين القرى المجاورة، وذلك يُعتبر أمراً خطيراً، فحرس الحدود يُلاحقنا بطلقاته!”
يُضيف الدكتور غنَّام: “كذلك لا يمكننا أن ننسى أنَّ النهر والبساتين المُحطية به، هي متنفَّس أهالي المنطقة في الصيف… جميعنا نخاف من إطلاق الأعيرة النارية علينا، ونتنقّل بمحاذاة النهر بحذرٍ شديد، وكأنَّ السكن على الحدود السورية التركية صارَ بلاءً!”
ويقول غنّام: “بلغ الأمر بأهالي بعض القرى الواقعة عند ضفاف نهر العاصي، حدّ الصدام مع حرس الحدود التركية… وغالباً ما يحصل تبادل لإطلاق النار بين حرس الحدود من جهة، وبعض أهالي تلكَ القرى من جهة أُخرى… وذلك بسبب منع حرس الحدود الأهالي من النزول إلى النهر أو الإقتراب من البساتين عند ضفافه”.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن قد أفاد 19 حزيران يونيو 2016، في تقرير له عن مقتل ما لا يقل عن 11 شخصاً في حادث لإطلاق الرصاص من طرف حرس الحدود التركية، على مجموعة من السوريين أثناء محاولتهم تخطّي الحدود الفاصلة بين البلدين شمال غرب سوريا.
واتهمت تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش، حرس الحدود التركية “بإطلاق النار على السوريين الفارّين من المعارك في بلادهم، والراغبين في الوصول إلى تركيا”.
في المقابل، يؤكِّد الجيش التركي دوماَ أنه “يُطلق الرصاص على المهرِّبين المُسلَّحين، وليس على النازحين الباحثين عن ملجأٍ آمن”.
وعلى وقع التهريب على أنواعه والذرائع التركية، يُحرَم أهالي المناطق المُحاذية لنهر العاصي في شمال سوريا، من مصدر رزقهم في البساتين والجرود، وكذلك من متنفّسهم في الحياة… ويصل الأمر، أحيانا إلى منع الأهالي من التنقُّل والزيارات بين القرى!
المعاناة ما تزال مُستمرة، وتُلقي بظلالها على جميع الأهالي هناك. يقول الشاب رشاد: “كنا ننزل إلى الأراضي والبساتين، للعمل… وكذلك كنا نمارس هوايتنا بالسباحة في نهر العاصي… لكن بسبب التشديد الغير مسبوق من حرس الحدود التركية، وعدم توقُّف ظاهرة التهريب، ها نحنُ قد حُرِمنا من نهر العاصي، حتى صارَ الجلوس على ضفافه، ضرباً من ضروب التمنيات!”