مكتب المرأة للحالات الإنسانية شكاوى وعلاج
دخلت أم محمد “مكتب المرأة للحالات الإنسانية” بعينين دامعتين، محبطة ويائسة تبحث عمّن يصغي لمعاناتها ويساعدها في تحمل أعباء الحياة. أم محمد (32 عاماً) من قرية بسقلا، واحدة من كثيرات فقدن أزواجهن في الحرب الدائرة في سوريا، وأصبحن معيلات لأسرهن وسط ظروف صعبة وقصف مستمر وغلاء المعيشة.
هناك في “مكتب المرأة للحالات الإنسانية” في كفرنبل استقبلت الموظفات أم محمد، أصغين لقصتها وتم توثيق حالتها، ووعدها بالمساعدة وعدم نسيانها. خرجت أم محمد من المكتب وكأن جبلا قد زيح عن كاهلها بعد أن وجدت من يهتم بها وبمعاناتها.
في اليوم التالي كانت أم محمد زيارة في بيتها في بسقلا على موعد مع زيارة مندوبتين من المكتب، للاطلاع على أوضاعها المعيشية، وتسجيلها في قائمة المستفيدات براتب شهري وقدره 15 ألف ليرة سورية.
غالية الرحال (40 عاماً) مديرة المكتب تقول “تم افتتاح هذا المكتب في 8 آب/أغسطس 2015، وهو خاص بالمرأة والهدف منه جمع النساء ومعاناتهن تحت سقف واحد. هنا تجد المرأة نساء مثلها تشكو لهن همها ويحللن مشكلتها، المكتب النسائي هو ملجأ المرأة”. وتضيف الرحال “بدل أن تقصد أماكن عديدة مثل مكان الإغاثة أو المجالس المحلية أو الجمعيات الخيرية وغيرها فهي ستجد مكاناً واحداً تقصده ويحقق لها متطلباتها وهو مكتب المرأة”.
وأردفت الرحال بالقول “نحن نسعى جاهدات لتحقيق كل متطلبات المرأة ومعظم هذه المتطلبات هي سكن، أدوية، رواتب، وظائف. تم توظيف عدد كبير من النساء في مراكزنا النسائية بحسب مؤهلاتهن الفكرية والجسدية، لاسيما وأننا في صدد التحضير لمشروع، وهو تدريب وتوظيف عدد من النساء في المجال الأمني كالشرطة والدفاع المدني”.
المشرفة على عمل “مكتب المرأة للحالات الإنسانية” سوسن (34 عاماً) تقول “نقوم في المكتب بكتابة التقارير اليومية وتسجيل الحالات الإنسانية، التي تصلنا أو تلك التي نسأل عنها إذا ماسمعنا عن وجود حالة إنسانية ما ممكن أن تحرج لسبب أو لآخر من المجيء إلى المكتب، فنحن نوفد إليها من يطلع على أوضاعها، ونقوم بتوثيق حالتها ومساعدتها بحسب الإمكانيات المتاحة لدينا”. ويضم المكتب بحسب سوسن أربعة موظفات استبيان يقمن بالتأكد من معلومات الحالة الإنسانية عن طريق زيارتها في مكان سكنها والاطلاع على أوضاعها، وهناك أربعة موظفات للدفاع المدني وهؤلاء لهن سيارة خاصة تستعسن بطبيبة وأربعة ممرضات. السيارة مجهزة بكل شئ من أجهزة طبية، أدوية، معدات إسعافات أولية وهي تجول المناطق المختلفة في ريف إدلب كعيادة متنقلة. وهذا المشروع قيد التنفيذ اعتباراً من بداية شهر أيلول/سبتمبر . وتلفت سوسن إلى وجود ما يمكن تسميته مساعدتين اجتماعيتين في الخمسينيات من العمر، لحل المشاكل العائلية من زواج، طلاق، ميراث، شكاوى وغيرها، ولهاتين السيدتين تجارب وخبرات في هذا المجال”.
هيام (38 عاماً) إحدى الموظفات في المكتب تقول “نحاول في المكتب تأمين الأدوية اللازمة للمريضات مثل الأدوية المفقودة أو غالية الثمن، المهربة، التي ليس لها بديل، للربو، للسرطانات، للضغط والسكري وغيرها”. وتؤكد هيام بأنهن يسعين في المكتب لتأمين رواتب شهرية بحدود 10 إلى 15 ألف ليرة سورية، للمتضررات، وخاصة ممن لديهن أطفال أيتام أو ممن ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبحسب هيام لا يستطيع المكتب استيعاب جميع الحالات الإنسانية أوتأمين الرواتب الشهرية لها، باعتبار أن العدد كبير وفي ازدياد مستمر، لذا يعمل المكتب على مساعدة النساء الأكثر تضرراً وفقراً، أمّا البقية ممّن احوالهن أفضل قليلا فبامكانهن قصد مراكز مزايا لتدريب وتعليم وتأهيل المرأة والتي تم افتتاحها لهذا الغرض. حيث يصبح بإمكان تلك النسوة تعلّم مهنة ما والعمل والإنتاج من خلالها. مثل تعلم مهنة الخياطة أو التمريض أو النسيج أو قص الشعر وغيرها، وبهذا الشكل تستطيع المرأة الاعتماد على نفسها وعدم انتظار من يقدم لها معونات أو مساعدة. وتقول هيام “نحن نؤمن للمرأة ما يلزمها بعد تخرجها، مثل ماكينة خياطة أو أدوات كوافيرة، أو توظيفها في المراكز النسائية في هذه المجالات في حال وجود شواغر.
رولا (30 عاماً) تعمل حاليا في قسم الاستبيان في المكتب، هي التي كانت إحدى الحالات الإنسانية التي ساعدها المكتب نفسه. تقول رولا ” إأحب عملي كثيراً، فهو أمّن لي لقمة عيش كريمة بعد وفاة زوجي نتيجة قصف طائرة حربية لمدينتي كفرنبل في العام 2013. كما أنّ لعملي طابعاً إنسانياً وهو مساعدة زوجات الشهداء والمعتقلين اللواتي يشبهن حالتي تماما بهمومهن”. رولا لديها أربعة أولاد وتشعر بالامتنان لكل من ساهم ودعم مشروع المكتب النسائي.
أم خالد (29 عاماً) زوجها معتقل منذ بداية الثورة، أم لخمسة أولاد، كانت تعيش في قرية حاس المجاورة لكفرنبل، بحالة معيشية مزرية. تم توظيفها في المكتب كمستخدمة. تقول أم خالد “عندما سمعت عن هذا المكتب قصدته وسجلت فيه حالتي وطلبت تأمين أي عمل لي، تفاجأت بسرعة استدعائي بعد أيام وتوظيفي في المكتب “. أم خالد تعبّر عن فرحها لانها وجدت عملاً، خاصة وأنها لا تملك أي خبرة أو شهادة. تعمل أم خالد على تنظيف المكتب بشكل يومي، وتحظى أم خالد باحترام العاملات في المكتب كافة، وتبادلهن الاحترام اللواتي اصبحن صديقاتها، فـ”هنّ لطيفات مع كل النساء اللواتي يأتين إلى المكتب لتسجيل حالاتهن”.
رائد الفارس (45 عاماً) أحد الأعضاء في المكاتب الثورية يقول “هدفنا الأسمى مساعدة المتضررين في الحرب وخاصة النساء اللواتي هن الفئة الأكثر تضرراً وضعفاً، لهذا تم استحداث هذا المكتب النسائي لإفادة النساء من خدماته”. وينوه الفارس أنهم في المجالس سيرفعون لائحة بمطالب تلك النسوة واحتياجاتهن إلى الجهات المعنية، بهدف جمع ما يمكن من مساعدات. ويؤكد الفارس على الرغبة الجادة في تقديم المساعدة وخاصة أن تلك النسوة بلجوئهن إلى المكتب فإنهن يعلّقن آمالاً كبيرة عليه للتخفيف من اعبائهن ومعاناتهن.
يتلقى “مكتب المرأة للحالات الإنسانية” تمويله من اتحاد المكاتب الثورية في كفرنبل، والتمويل عبارة عن ألفي دولار شهرياً، توزع بين رواتب موظفات وثمن أدوية. أما الرواتب الخاصة بالمتضررات فهي مقدمة من المكاتب الثورية كل بحسب حالتها واحتياجاتها، وكذلك بالنسبة للمعونات حيث تقوم المكاتب الثورية برفع أسماء تلك الأرامل وزوجات المعتقلين وغيرهن إلى الجمعيات الخيرية والمجالس المحلية وهي بدورها تؤمن لهن معونات شهرية.
أم عبدو (55 عاماً) من مدينة كفرنبل “زوجة شهيد وأم لشهيدين” كما تعرّف عن نفسها وكما يعرفها الجميع في المدينة. جاءت إلى المكتب وتم توثيق حالتها. تقول أم عبدو “فقدت زوجي وولدي في هذه الثورة، زوجي راح ضحية قصف الطائرة الحربية للمدينة، وولدي استشهدا أثناء مشاركتهما للجيش الحر معاركه ضد النظام. لم يبقى لي معيل بعد رحيلهم إلا ألله، ابنتين وولد واحد كل من بقي لي في هذه الحياة”. أم عبدو كانت تشعر بالحرج أن تذهب إلى المجالس المحلية أو الجمعيات الخيرية لتشكو وضعها المأساوي، لا سيما وأن هذه الأمكنة تعج بالرجال، ولكنها ما إن سمعت عن وجود هذا المكتب حتى سارعت إليه وقامت بتسجيل حالتها، وفعلا أصبحت ضمن المستفيدات براتب شهري مع أدوية مجانية، فهي تعاني من أمراض الضغط والسكري، وثمن هذه الأدوية يثقل كاهلها. تشعر أم عبدو بالرضا وتشكر كل المساهمين بهذا المشروع الإنساني.