مشاريع الدعم النفسي في حمص خطوة بوجه العنف
في إحدى قاعات الدعم النفسي في حي الوعر، آخر المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حمص، كان عمر (11 عاماً)، يرسم الحي الذي عاش فيه قبل قصفه، يحاول إعادة الأبينة التي دمرها القصف، هذا القصف الذي أودى بحياة عائلته في مجزرة الحصوية بداية العام 2013.
عمر تخلى عن فكرة انضمامه إلى أشبال تنظيم “الدولة الإسلامية” داعش. كان ينوي ذلك قبل دخوله لورشة الدعم النفسي التي تواظب مؤسسة “سواعدنا السورية” على القيام بها منذ حوالي العام.
المشروع الذي انطلق منتصف شهر حزيران/يونيو 2015، عبر تنظيم عدد من من الدورات التدريبية، مدة كل منها 3 أشهر، مستخدماً برنامج “I deal” الصادر عن منظمة “وور تشايلد” الهولندية والذي يستهدف فئة اليافعين من عمر 11 سنوات إلى 15 عاماً، ومطبق في أكثر من عشرة مناطق صراع في العالم.
تتولى 22 ميسّرة القيام بأعمال الدعم النفسي للأطفال، كن تطوعن في المشروع، للوقوف في وجه العنف الذي يعانيه السوريون منذ عام 2011، وللحد من ثقافة السلاح التي تشهدها مناطق الصراع في سوريا.
أبو فادي مدير مشروع الدعم النفسي في الوعر يقول: “برزت منذ عامين مظاهر العنف بشكل كبير عند الأطفال في الوعر، مثل سائر المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، جراء العنف الذي يمارسه النظام تجاه المناطق الثائرة ضده، إضافة إلى انتشار روح العسكر بين الناس نتيجة انتشار السلاح في هذه المناطق، لاحظنا ميل الأطفال إلى الألعاب العنيفة، ناهيك أن بعضهم انضم إلى بعض الفصائل المتشددة، لذلك قررنا البدء بالمشروع. تم التواصل مع مؤسسة “سواعدنا السورية” التي قامت بتمويل المشروع بكلفة لا تتجاوز 5 آلاف دولار أميركي.
ويضيف أبو فادي: “في البدء قمنا بإعداد فريق عمل مؤلف من 15 فتاة وشاب، تم إخضاعهم لدورة على برنامج “أنا أتعامل” (آي ديل) عن طريق السكايب مع مدرب محترف، كان يبدأ التدريب بتطبيق الأنشطة من قبل المتدربين على أنفسهم ليستطيعوا العمل بها في الجلسات مع الأطفال”.
وبحسب أبو فادي فقد تم اختيار المتدربين وفقاً لعدد من الشروط والمؤهلات وأهمها: حسن السيرة والسلوك ، الرغبة في العمل التطوعي والجماعي، الحماس. ألّا يقلّ العمر عن 19 عاماً، ألّا يقلّ التحصيل العلمي عن الشهادة الثانوية، مع الأفضلية لاختصاصات علم النفس والتربية ورياض الأطفال وعلم الاجتماع. وتوزعت الفرق على أربعة مراكز هي مركز المدائن، مركز دلال المغربي، ومركزين في الوعر القديم. عمل كل خمسة من المتطوعين والمتطوعات مع مجموعات من الأطفال تراوح عددها بين 15 و 20 طفلاً.
ويلفت أبو فادي إلى أن أن نظام العمل في المشروع يتم عبر وحدات:ومن الوحدة ألأولى إلى وحدة العواطف، وهي وحدة تركز على أن يدرك الطفل عواطفه، وبماذا يشعر وكيف يعبر عن ذلك، بعدها في وحدة لاحقة يتم تعليم الطفل على كيفية التعامل مع الأقران عبر تعزيز مفهوم الأصدقاء والزملاء عند الطفل وكيفية التعامل معهم، وكيفية مواجهة الصراعات اليومية بطرق سلمية، لينتقل البرنامج في الوحدة الرابعة إلى علاقة الأطفال مع البالغين. ليختم البرنامج عمله بتعزيز ثقافة السلام مع دراسة الصراعات وأسبابها وكيفية التعامل معها بدون اللجوء إلى العنف.
أم فرحان (45 عاماً) وهي من العاملات في المشروع، تقول: “واجهتنا في البداية بعض الصعوبات حيث ان أغلب الأطفال تنتشر في ما بينهم ثقافة العنف، وهم غير راغبين في التعلم، ويعتبرونه دون جدوى بسبب انتشار ثقافة السلاح، فالكلمة الأولى والأخيرة هنا لمن يحمل سلاحاً، والسبب الثاني أن الكثير من الأطفال يعملون لتأمين قوت عوائلهم في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة تحت الحصار. لدينا في المركز الطفلة ريم 9 سنوات كانت تقوم بالتسول في أحياء الوعر، قبل أن تلتحق بورشات الدعم النفسي، وها هي الآن تواظب على الذهاب إلى المدرسة، بعد خضوعها لإحدى الورشات”.
وتتابع أم فرحان حديثها: “في الدرس الأول من ورشة الدعم النفسي، كلفنا الطلاب برسم رمز يمثلهم، قام الكثيرمنهم برسم صورٍ للسلاح، أو رايات الفصائل، لكن في منتصف الدورة كررنا نفس التدريب، قام الأطفال برسم صور تمثل ما يطمحون إليه من مهن، كانت بنسبة 90 بالمئة منها بعيدة عن ثقافة السلاح”.
وتختم أم فرحان حديثها بالقول: أعتقد أننا رغم الإمكانيات المتواضعة استطعنا تحقيق تقدم نوعي بمكافحة ظواهر العنف في المنطقة. فالأطفال الذين امتنعوا عن القدوم إلى الورشة بداية إلا والسكاكين معهم، منشغلون الآن بالتعلم واللعب مع أقرانهم”.
رنيم (25 عاماً) فقدت زوجها خلال الحرب. وفّر لها مشروع الدعم النفسي فرصة للعمل. تقول رنيم: “كنت من أوائل المؤسسين للمشروع في الوعر المحاصرة، بدأت متطوعة، وبعدها أصبحت أتقاضى راتباً يسندني مادياً. أصبحت أشعر أنني مفيدة، أقوم بعمل ما، وأقدم المساعدة للآخرين، وهذا انعكس أيضاً على أسرتي، حيث تم اخضاع طفليّ لدورات الدعم النفسي، مما أدى إلى تغير إيجابي كبير على سلوكهما”. وتلفت رنيم إلى أنه ونتيجة وفاة والدهما واجهت الكثير من الصعوبات داخل المنزل في التعامل معهما، لكن مع برنامج الدعم النفسي، وجدا فسحة لتفريغ الطاقة التي لديهما عبر المشاركة بأنشطة مفيدة، كما أصبح لديهم معلومات عن التعامل مع الأسرة والأصدقاء وسائر المجتمع.
وتختم رنيم حديثها بالقول: أعتقد أن مشروع الدعم النفسي انعكس إيجاباً على كامل أسرتنا الآن من ناحية مادية ومعنوية ونفسية أيضاً”.
مديرة مؤسسة “سواعدنا السورية” سارة الدخيل قالت: “أن المشروع الذي قمنا بتمويله كان خطوة في الاتجاه الصحيح رغم كل الصعوبات التي عانيناها، من كيفية ادخال الكتب والأقلام في ظل الحصار المطبق، إلى اختيار المكان بحيث يكون بعيداً عن قصف النظام الذي يطال الحي بشكل يومي، والابتعاد عن التضييق الذي عانينا منه جهات داخل الوعر كانت تسعى لايقاف المشروع، والتضييق عليه”
وبحسب سارة الدخيل: “اختارت مؤسسة سواعدنا السورية تمويل المشروع، لأنه يسعى إلى بناء الإنسان بما يتيح إعادة بناء جميع ما اندثر خلال سنوات الصراع.
ولفتت سارة الدخيل إلى صعوبات من نوع آخر تتعرض لها مثل هذه المشاريع قائلة: “للأسف أن مشاريع التعلم ومشاريع الدعم النفسي في كثير من الأحيان تلقى صعوبة في التمويل، حيث أن هذه المشاريع غير ربحية بالمطلق، وكثير من المنظمات العاملة في سوريا تعزف عن تمويلها، وإذا ما تم تمويلها يتم التلاعب فيها بشكل كبير، حيث أن الكثير من هذه المشاريع تقدم الطعام للأطفال كما تقدم لهم النشاطات الترفيهية دون وجود برنامج حقيقي يدعم نفسية الطفل، لمقاربة الأمور بشيء أقرب إلى التوازن في ظل الأزمات، لذلك قررت مؤسسة سواعدنا السورية دعم وتمويل مشروع الدعم النفسي في الوعر”.