شعرت بالقهر لتركي الياسمينة خلفي

الاطفال يمشون في الشارع

الاطفال يمشون في الشارع

"طلبت من مختار الحي أن يقول لمن سيسكن المنزل بعدنا أن يعتني بالياسمينة... عليها أن تشرب يومياً حتى تزهر مجدداً في الربيع القادم... فالربيع آت لامحالة..."

لم يكن قد مضى على إطلاق سراح زوجي سوى بضعة أيام. فقط بضعة أيام لاغير… قلة من الأقرباء قد زارونا للاطمئنان على صحته ورجوعه حيا يرزق من زنازين الموت…
الجميع يشعر بالرعب من فكرة زيارة من كان معتقلاً في سجون النظام… لا بد وأن منزله مراقب… وحتى جدرانه لها آذان… ومن يدري قد يروج البعض أنه تم تجنيده ليتلقف الأخبار… لذلك قلما اطمأن أحد لوضعنا…
في تلك الليلة وقع اشتباك قريب من منزلنا، كنا نسمع صوت الرصاص بقوة… أحدهم يطرق باب منزلنا بعنف… كنت على وشك أن أفتح الباب، لكن زوجي أبعدني للخلف… وكم شعرت بالرعب أن يكون الإعتقال الثالث…
ولكن عند الباب كانت مجموعة من الرجال الملتحين. كانت أصواتهم غريبة على مسامعي… أطلّ عليّ زوجي لدقيقة طالباً مني صنع القهوة… وأي طلب! كانت قارورة الغاز قد فرغت… أعددت القهوة بشكل غير متقن عبر تسخين الماء بسخانة المياه.
علت همهمات وبعدها خرجوا… ملامح زوجي كانت غير واضحة… جلس صامتاً جامداً… بعد قليل طرق أحدهم باب المنزل برفق… من جديد فتح زوجي باب المنزل، وكان مختار الحي… يحاول أن يخفف عن زوجي مصابه…
لم افهم شيئاً… وأي مصاب! تملّكني القلق لوقت طويل إلى أن غادر مختار الحي. هذه المرة لم انتظره. بادرته بالسؤال، ولم اصدق ما سمعت… أي كلام اسمعه وأي ظلم يقع علينا… ما ذنبنا أن نكون من الطائفة العلوية… حتى نتهم بأننا عملاء! وماذنبنا أننا من أهالي حي السباع الذي عرف باختلاط طوائفه.
لم يقتنع بعض من اسبغوا على أنفسهم وجهاء الحي أن نبقى في المنزل بينهم… اعتبروا غياب زوجي واعتقاله ليس إلا حجة لبث الثقة لدى أهالي الحي. وكان القرار أن نغادر المنزل خلال اسبوع. وكانوا كرماء جداً معنا فقد سمحوا لنا أن نخرج أغراضنا! أي ظلم اجتماعي هذا، ومن يعبث بفسيفساء مجتمعنا؟
هذا الحي الذي أعرف كل حجر فيه. واحتوى اجمل أيام طفولتي ومدرستي وضحكاتي. كيف لي أن أخرج منه بهذه السهولة وعلى يد ورأي وقرار مجموعة رجال ملتحين لم يكونوا يوماً من أهالي الحي…
وجدت نفسي رغم الألم والقهر اتصل بكل معارفنا ليساعدوننا في نقل أغراضنا، إلى منزل تبرع به أحد أقربائنا وكان قد سافر قبل عام إلى سويسرا هرباً من الموت والحرب. وكان أن انتقلنا خلال ثلاثة أيام.
شعرت بالقهر لتركي لحديقتي وياسمينتي خلفي. قبل أن أغلق الباب المنزل طلبت من مختار الحي أن يقول لمن سيسكن المنزل بعدنا أن يعتني بالياسمينة… عليها أن تشرب يومياً حتى تزهر مجدداً في الربيع القادم… فالربيع آت لامحالة…
سمر ادريس (35 عاماً) من قرى حمص أم لطفلة. خريجة حقوق من جامعة دمشق عملت محامية وحالياَ مقيمة في فرنسا. عملت قبل خروجها من سوريا ضمن فريق تطوعي للدعم النفسي للمعتقلات اللواتي تم الإفراج عنهن.