مخلفات الموت تحف نابضة بالحياة

مخلفات الحرب مقتنيات للحياة تصوير دارين حسن

"يبحثن بين أنقاض البيوت المدمرة عن بقايا القذائف والصواريخ لتحويلها إلى تحف فنية مميزة، بعد أن اتخذن من الحزن منطلقاً لإحياء الأمل"

دارين الحسن

في مخيم الفاروق الحدودي تنشط عشرات النساء في البحث عن مخلفات الحرب من بقايا قذائف ورصاص وكل ما تعرض للتلف والدمار. ولا تنتهي عملية البحث إلّا بعد تحويل ما تم العثور عليه إلى تحف وأعمال فنية إبداعية وادوات صالحة للاستعمال اليومي.
وجدت الأرملة أم أحمد ما يقي أطفالها عوز الجوع، هي واحدة من عشرات النساء يعملن على تدوير مخلفات الحرب، وقد استطعن من خلال هذا العمل تأمين مصدر عيش كريم يعود ريعه على عوائلهن المحتاجة .
المسؤولة عن المشروع داخل المخيم المرشدة النفسية ندى الحسين (35 عاماً) تقول: “يعتمد عملنا على مواد أولية بسيطة تشغل مخلفات الحرب الجزء الأكبر منها. وهي متوافرة بكثرة يتم الحصول عليها مجاناً. قامت النسوة بجمع الكثير من بقايا الأسلحة من رصاص وقذائف و صواريخ قتلت العديد من المدنيين، ليعملن على تزيينها وتدويرها وتحويلها لقطع فنية تنبض بالسلام، وتعبر عن قدرة النساء السوريات على اتخاذ المعاناة سبباً للإبداع والفن”.
وتلفت الحسين إلى أن هذا العمل ساعد على الاستفادة من مواد مهملة تم تحويلها لأشياء نافعة، كما ساعد النساء المعيلات داخل المخيم على توفير فرصة عمل تساعدهن على قسوة الحياة وتحسين أوضاعهن المعيشية الصعبة”.
منظمة أهل البلد قامت بتأمين كل المواد اللازمة للمهمة، وقد تم تخصيص خيمة تجتمع فيها النساء العاملات للقيام بعملهن، كما تم تجميع المنتجات والمشغولات واللوحات الفنية لإقامة معرض فني يلفت الأنظار إلى إبداع السوريات حتى في مناطق اللجوء، شاركت فيه ٢٤ امرأة، وتم تنظيمه ضمن ثلاثة أقسام وهي مخلفات الحرب والبيئة والمشغولات اليدوية .
أشرف الرسام محمد العبدو (39 عاماً) على عمل النساء داخل المركز. ويقول العبدو: “ساعد هذا المشروع على تنمية المرأة وتمكينها واكتشاف العديد من المواهب، حيث خرج المعرض بأعمال فنية مميزة بعد أن قامت النسوة بتحويل الرصاص والصواريخ إلى مزهريات للورود أو مجسمات فنية متكاملة، وأضفن عليها ألوان الفرح، فأثبتن بأن داخل كل منهن فنانة تستطيع أن تعبر عن مشاعرها وحزنها ومعاناتها بالفن، وتفتح أفقاً واسعاً للأمل والحياة، ولتظل هذه الأعمال الفنية خالدة تخبر الأجيال القادمة عن تجارب اللاجئين والمنكوبين والثكالى .”
الفتاة عامرة (15عاماً) تمسك بيدها بقايا صاروخ منفجر، هو لا يذكرها إلا بمقتل والدها الذي قضى بقصف صاروخي، هو ذاته الذي أجبرهم على ترك بيتهم والنزوح لعيش حياة التشرد في المخيمات. لا تنسى عامرة ما سببته لها الأسلحة من مآس انعكست على صورة خوف وعزلة في حياتها.
عامرة تعمل على تحويل طبيعة الصاروخ القاتلة إلى مزهرية ورد جميلة، معبرة بذلك عن حبها للحياة والتمسك بها. تقول عامرة لحكايات سوريا:” أريد أن أعبر من خلال عملي عن كرهي للحرب لأنها جحيم أرضي لا يطاق، وأتمنى أن تنتهي لأن من حقنا أن نعود لبيوتنا لنعيش بسلام.”
أم عبد الله (29 عاماً) أغنت المعرض بالأشغال اليدوية كما أغنت نفسها وأطفالها عن الحاجة لأحد. هي ساهمت في المعرض بالعديد من المنسوجات والمشغولات اليدوية التي يظهر فيها أثر الفن وبراعة يد الصناع.
تعبّر أم هبدالله عن سعادتها بعملها قائلة: “أنسج القبعات والقفازات والملابس الشتوية. أنا سعيدة بعملي الذي استطعت من خلاله أن أبرز وجودي في المجتمع، بعد ظني بأن حياتي بدون فائدة في حياة اللجوء والتشرد التي نعيشها، إلا أن المعرض كان فرصة للفت أنظار الناس إلى مهارتي بالعمل اليدوي، وفتح أمامي مجالاً للعمل .”
تنشغل أم علي (41 عاماً) من جهتها بإعادة الحياة إلى مواد كانت بحكم الميتة، من خلال الاستفادة من مخلفات البيئة التي نتعامل معها في حياتنا اليومية، فتعمل على تدويرها بشكل فني بدلاً من رميها. وعن ذلك تقول: “أعمل على تحويل الأشياء المهملة والمخلفات المستهلكة إلى مادة فنية تحاكي مرئيات الواقع المعاش وتعلن جمالها وحضورها الجديد”.
ندى الحسين تبدي فخرها بقدرة السوريات على تحدي الحرب والاستفادة من مخلفاتها، وتقول: “سوريا واحدة من أكثر المناطق التي استخدمت فيها شتى أنواع الأسلحة التي قتلت الآلاف، وسببت الكثير من الآلام التي لا يمكن حصرها. لذلك كانت من أحق المناطق بفن بقايا الأسلحة من قبل النساء السوريات اللواتي لازلن مصممات على مواصلة مسيرة حياتهن رغم مرارتها، يبحثن بين أنقاض البيوت المدمرة عن بقايا القذائف والصواريخ لتحويلها إلى تحف فنية مميزة، بعد أن اتخذن من الحزن منطلقاً لإحياء الأمل” .