مؤسسة استثمارية في ريف إدلب برأسمال شعبي
رعاية الأبقار لإنتاج الحليب من المشاريع التي ترعاها المؤسسة تصوير رزان السيد
لم يتردد خالد العمر (23 عاماً) بتوظيف مبلغ من المال لدى مؤسسة الإرادة الإستثمارية بغية الإستفادة من عائدات تشغيله ضمن مشاريع تنموية ربحية تعود بالفائدة عليه وعلى من يعمل ضمن تلك المشاريع.
تعمل مؤسسة الإرادة الإستثماريةفي بلدة كللي في ريف إدلب الشمالي منذ مطلع العام الحالي. ويتركز عمل المؤسسة على جمع رأس المال من المشتركين لاستثماره في المجالات المتاحة، ومن ثم توزيع الأرباح أو الخسائر بشكل سنوي على الأعضاء المشتركين بحسب نسبة إشتراك كل منهم برأس المال.
يتحدث العمر عن خطوات إشتراكه في المؤسسة ويقول: “حين تم الإعلان عن فتح الباب أمام المستثمرين من قبل المؤسسة بادرت للإشتراك بمبلغ 3 دولارات أميركية بشكل شهري بغية المساهمة في الإستثمار ضمن المشاريع القائمة. وبالتالي أضمن لنفسي الربح وبمبلغ صغير لا يثقل كاهلي كل شهر”.
وعن كيفية ضمان المؤسسة لأموال المستثمرين يجيب العمر: “إن المال الذي أضعه في المؤسسة مضمون بأصول المؤسسة وأموال أعضاء مجلسها، فجميع الأعضاء هم من ميسوري الحال في المنطقة وذوي سمعة طيبة بين الناس”.
تضم المؤسسة أعضاء دائمين ومستثمرين، ولكي يصبح الشخص عضواً في المؤسسة يتوجب عليه أن يقدم طلب انتساب للمؤسسة، بعد أن يطّلع على نظامها الداخلي ويوافق على مضمونه كاملاً.
رئيس مجلس إدارة المؤسسة بسام معدل ( 45عاماً) يقول: “تعمل المؤسسة حالياً في بلدة كللي مع إمكانية التوسع قريباً، وأعضاء المؤسسة معظمهم من بلدة كللي ويوجد بينهم من هم من مناطق أخرى، ونحن هنا نركز على المشاريع الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة بما يضمن توفير فرص العمل وتحقيق الربح”.
ومن المشاريع القائمة العائدة للمؤسسة بشكل أو بآخر، هناك 3 وسائط نقل، باصين وسيارة نوع فان، إضافة لسيارات سياحية لأشخاص متعاقدين مع المؤسسة. يتم توظيف الباصات لنقل طلاب المدارس والجامعات وبأسعار رمزية، إضافة لمشروع تسمين العجول، مشروع البقر الحلاب، مشروع الدجاج البياض، مشروع الدراجات نارية، مشروع المؤونة المنزلي والمكتب الشامل.
وعن فكرة مشروع المكتب الشامل يوضح المعدل أنه عبارة عن فكرة جديدة هدفها ربط صاحب الحاجة بمن يوفر الحاجة له عبر المكتب. ويعطي مثالاً على ذلك بأنه إن كان لشخص ما معاملة أو حاجة في تركيا أو غيرها ولا يستطيع الذهاب إلى هناك يقوم بتوكيل المكتب الشامل بتأمين تلك الحاجة مقابل عمولة معينة.
ويشير المعدل إلى “أن العضو في المؤسسة يدفع شهرياً ما لا يقل عن ثلاث دولارات أمريكية وهو ملزم بدفع هذا المبلغ الشهري طالما أن رصيده لم يصل إلى مئتي دولار أمريكي. وعندما يبلغ المئتي دولار هنا يصبح غير ملزم بالإستمرار بالدفع الشهري، وعدد الأعضاء تجاوز المئة عضو وهو في تزايد.”
ويلفت المعدل إلى “أن المستثمر يقدم المال للمؤسسة مقابل الحصول على الربح، ومن الممكن في هذه الحالة حصول العضو على سلف شهرية. حالياً نعطي للمستثمر 15 ألف ليرة سورية شهرياً مقابل كل ألف دولار. وهذه السلفة قابلة للزيادة والنقصان بحسب الربح المتحصل والذي يعرف بشكل نهائي عند الجرد السنوي. وقد بلغ المبلغ الإجمالي فقط للمستثمرين 9 آلاف دولار”.
وعن معايير إختيار العاملين في مشاريع المؤسسة يؤكد معدل أنهم ليسوا جمعية خيرية. ويقول: “لا يكفي أن يكون الشخص محتاجاً ليتم التعامل معه، إذ لا بد من توفر الكفاءة والخبرة لدى الشخص للتعامل معه، فيتم توفير فرصة عمل له وهو يوفر الربح للمؤسسة، وفي حال توفر الخبرة والمؤهلات الكافية لدى شخصين فيتم اختيار الأكثر حاجة”.
الطالب الجامعي لؤي السلمان (22 عاماً) يرى أن مشروع وسائل النقل أفاد الكثيرين في المنطقة وخاصة ذوي الدخل المحدود. وهو يعتمد عليها بالتنقل من الجامعة إلى منطقته وبالعكس، ووجد فيها تجربة فريدة وهامة خاصة في ظل غلاء كلفة المواصلات التي لم تعد تتناسب مع القدرات المالية للمواطنين، في حين أن وسائل النقل الخاصة بالمؤسسة يمكن لجميع الفئات الإستفادة من خدماتها نظراً لتدني كلفتها.
أم محمد (40 عاماً) هي إحدى المستفيدات من مشروع المؤونة المنزلية، والذي وفر لها راتباً استطاعت من خلاله إعالة نفسها وأسرتها في ظل انعدام فرص العمل. تقول أم محمد: “كنت أبحث عن عمل طوال الوقت دون جدوى، ولأنني أتقن صنع المؤونة المنزلية تم إختياري للعمل ضمن المشروع الذي أنقذني من وضع صعب كنت أمر به مع أسرتي في ظل الفقر والغلاء والنزوح وقلة فرص العمل”.
أحد أعضاء المؤسسة ويدعى أبو الجود (30 عاماً) يطمئن إلى “أن المؤسسة تهدف بالدرجة الأولى إلى الإستفادة من رأس المال المجمد، نتيجة خوف أصحابه من الاستثمار في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة سيما المناطق غير المستقرة. وعمل المؤسسة هنا يتركز حول تشجيع الناس في مناطق إدلب على العمل الجماعي بما يعود عليهم بالنفع والربح وخلق فرص عمل يستفيد منها الفقراء والأرامل والنازحين.”
تسعى مؤسسة الإرادة الإستثمارية لتنفيذ المزيد من المشاريع في المنطقة ومنها افتتاح مغسل سيارات، سوبر ماركت، معمل خياطة لمصلحة الأرامل بالإضافة لمشروع تربية الأغنام.
وتعمل المؤسسة على امتداد السنة وتصفي أرباحها وخسائرها إبتداءً من الأول من كانون الثاني في كل عام وحتى 15 من الشهر نفسه، حيث يتم توزيع الأرباح أو الخسائر وفق إشتراك كل عضو برأس المال.
عضو المجلس المحلي عماد العابد (41 عاماً) يشجع عمل المؤسسة وخاصة في هذه الفترة التي وصفها بالحساسة.
ويقول العابد: “بالفعل نحن بحاجة لعمل مثل هذه المؤسسات بما يسهم في رفع مستوى الإنتاج والتأثير إيجاباً ورفع مستوى المعيشة، إضافة إلى دورها بوفير ما يحتاجه المواطن والمستثمر من خدمات أساسية. كما أن عملها من شأنه أن يفتح الآفاق أمام العاطلين عن العمل للإنخراط في سوق العمل من جديد وبالتالي تخفيض مستويات البطالة”.
على الرغم مما تمر به المنطقة من تردي الوضع الأمني والحملات العسكرية الشرسة، تستمر مؤسسة الإرادة الإستثمارية بمشاريعها المحلية في سبيل السعي للاستغلال الأمثل لرأس المال الذي تمتلكه، والمؤتمنة عليه من قبل المستثمرين، بغية تحقيق منفعة ذات عائد مادي بالإعتماد على أساليب وطرق اقتصادية متاحة بما يدعم المستثمر والسوق المحلي بالسلع والخدمات.