ليلة تركنا الجامعة
نساء يتعلمن القراءة والكتابة في إحدى دورات محمو الأمية في ريف إدلب تصوير معهد صحافة الحرب والسلام
"هذا المكان الذي كان يعج بالحيوية من كثرة الطلاب بدا لي وكأنه مهجور منذ سنين.الأرض امتلأت بأوراق المحاضرات، والكتب المرمية هنا وهناك"
في إحدى ليالي شهر حزيران/يونيو سنة 2012. كنت في المدينة الجامعية في مدينة حلب. خلدت إلى النوم باكراً فقد كانت ليلة هادئة وما إن غفوت قليلاً حتى دوّى صوت انفجار قوي أعقبه إطلاق نار.
استيقظت كما غيري من الطالبات على صوت الانفجار، وبدأنا نتساءل عمّا حصل. بعد مرور نصف ساعة جاءت مشرفة الوحدة وقالت ان الذي حدث كان نتيجة قنبلة صوتية في الوحدة الثامنة في سكن الطلاب الشباب .
عرفنا لاحقاً ان تسلل مجموعة من الشبان، تسللوا الى داخل اسوار المدينة الجامعية وعندما علم عناصر النظام ذهبوا للتحقق من الأمر، وقع الانفجار وحصل إطلاق النار.
بدأنا بمحاولة استطلاع ما يجري، عبر النوافذ وادراج النجاة. بعض الفتيات أصبن بحالات من الانهيار العصبي بفعل الخوف. الذعر والرعب خيم على المكان.
الشخص الوحيد الذي خطر ببالي هو ابن خالتي. كان يسكن في تلك الوحدة. اتصلت به كي اطمئن على حاله. قال لي بصوت خائف ومرتجف: “لقد دخل عناصر الأمن الى الغرف، وقاموا باعتقال العديد من الطلاب. حتى ان صديقي رمى بنفسه من نافذة الغرفة، وهو الآن في حالة خطرة”.
أبلغني ابن خالتي انه سيخرج من المدينة فهو لم يعد يحتمل هذا الوضع. وأوصاني بأن انتبه على نفسي. بدأت دموعي تنهمر وقلت لنفسي عليّ بالهدوء. ولكن أي هدوء هذا.
في هذه اللحظات كانت جميع الطالبات على النوافذ، فاتجهت مسرعة الى نافذة تطل على ساحة المدينة . كان بالأسفل عدد من الحافلات المخصصة لنقل عناصر الأمن وأخرى تحمل الرشاشات الثقيلة على متنها .
انتشارنا خلف النوافذ كان ظاهراً، وما إن رآنا الجنود حتى صرخ أحدهم من الأسفل قائلا: “ادخلوا جميعاً” وبدأ يطلق النار باتجاه النوافذ . ربما كان علينا أن نتختبئ بدل الوقوف خلف النوافذ. أمسكت بيد صديقتي ودخلنا الى الغرفة وأغلقنا الباب.
بعد ذلك ارتفعت أصوات الهتافات داخل الجامعة. وكانت مظاهرة رداً على دخول الأمن بهذه الطريقة الوحشية . وخلال الهتافات كنا نسمع أصوات الاشتباكات تدور خارجاً بين رجال الأمن والثوار الذين دخلوا المدينة .
بعد الهتافات سمعنا الشبان يصرخون أن عناصر النظام أطلقوا الغاز المسيل للدموع لكي يفرقوا التجمع . وبعد ساعتين خيم الهدوء في أرجاء الجامعة. وبدأت قوات النظام بإخلاء المدينة الجامعية بشكل كامل من الطلاب .
وبدأت المشرفات بالنداء أنه يتوجب علينا حزم حقائبنا والخروج صباحاً من السكن. وبالفعل في صباح اليوم التالي نزلنا من الغرفة الى باب الجامعة.
كان عليّ أن أسلم حلقات البحث للدكتورة المشرفة، لأن هذا اليوم هو آخر يوم للتسليم.اتجهت نحو غرفة الدكتورة وتفاجأت بعدم وجود أحد هناك. كانت الغرفة مقفلة.
هذا المكان الذي كان يعج بالحيوية من كثرة الطلاب بدا لي وكأنه مهجور منذ سنين.الأرض امتلأت بأوراق المحاضرات، والكتب المرمية هنا وهناك حتى الأبواب والنوافذ معظمها مكسرة.
بينما كنت أنظ حولي دخل طالب من طلاب الاتحاد، المعروفين بأمن الجامعة، وقال: الجامعة قد أغلقت حتى أشعار آخر”.
اتصلت بسائق الحافلة التي كانت مخصصة للنقل بين حلب وادلب. وأنا بالباب الرئيسي للجامعة نظرت الى جامعتي الحبيبة النظرة الأخيرة وقد كانت نظرة حزن ووداع لأنني شعرت أنها آخر مرة قد أراها فيها .
الليلة التي مضت ترسخت أحداثها في ذاكرتي الى الأبد ومن الصعب نسيانها. اتجهنا الى كراج العودة الى ادلب. الشوارع كانت مزدحمة جداً بسبب كثرة الطلاب العائدين الى منازلهم خوفاً مما حصل.
رهف المحمد (23 عاماً) تقيم في ريف إدلب خريجة كلية التربية.