للخير أقبل مبادرة لمساعدة النازحين في الشمال السوري
من نشاطات حملة للخير أقبل
موجات النزوح الأخيرة التي شهدها ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، شكلت أزمة إنسانية وضغطاً كبيراً على البلدات في الشمال السوري، حيث استقبلت مئات الآلاف من النازحين الهاربين من القصف الجوي والمدفعي لمنازلهم وبلداتهم.
أوضاع النزوح الصعبة وأعداد النازحين الكبيرة، دفعت البعض من أبناء البلدات الشمالية للتفكير بحلول إسعافيه بغية مساعدة الاسر النازحة والتخفيف من وطأة النزوح عليها.غرفة طوارئ ثوار سرمدا، كانت سباقة وسعت لمد يد العون للوافدين الجدد، عبر حملة أو مبادرة طوعية مدنية، أطلقت عليها اسم “للخير أقبل”.
يعود تشكيل غرفة طوارئ سرمدا، الى أواخر العام 2013. عضو لجنة تنسيق المبادرة والعضو المؤسس رامي قزه (38 عاماً) يقول: “بدأت فكرة انشاء غرفة الطوارئ بعيد تحرير أجزاء من الشمال السوري من قوات النظام، والهدف منها توحيد جهود فعاليات اقتصادية ومثقفين وثوار من سرمدا وحولها، بغية المساهمة في حلول إسعافية للأزمات التي تواجه أبناء الشمال المحرر، والنزوح أحدها”.
أما كيف ولدت فكرة “للخير أقبل” فيقول مسؤول لجنة التنسيق ضمن المبادرة محمد وقاص (34 عاماً) : “مع وصول الموجة الأولى من النازحين، طرحت أفكار عدة ضمن غرفة الطوارئ تهدف لمد يد العون للأسر النازحة، ضمن إمكانيات الغرفة المتواضعة وقتها، فكانت الفكرة بسيطة هي عبارة عن تشكيل مجموعات تقوم باستقبال الوافدين على الطريق الدولي، وتوزيع زجاجات مياه الشرب وعلب بسكويت ومكعبات تمر فقط. خصوصاً أن النزوح ترافق مع أيام شهر رمضان الكريم”.
يضيف وقاص: “لم يخطر ببالنا في البداية أن هذه الخطوة البسيطة ستغدو مبادرة كبيرة ساهمت بإيواء مئات النازحين وتقديم خدمات متنوعة لهم، كما هو حالها اليوم”.
“المبادرة تمكنت من مساعدة مئات العائلات النازحة، وذلك بعد أن تبلورت فكرتها واستقطبت رجال أعمال وأطباء وفعاليات اقتصادية كثر، رغبوا بالمساهمة مادياً وعينياً بدعم المبادرة وغرفة الطوارئ على مساعدة أكبر عدد ممكن” يقول مسؤول لجنة الإيواء بالمبادرة عماد الشيخ إبراهيم (57 عاماً).
ويضيف إبراهيم: “تلقينا تبرعات من أهالي سرمدا ورجال أعمالها، تمثلت بمنحنا شققاً سكنية قيد الاكساء، قمنا بتجهيزها لإسكان الأسر التي انتشرت تحت أشجار الزيتون في البساتين. كما تلقينا وجبات إفطار ومعونات غذائية تجاوزت الخمسمئة وجبة كلها من متبرعين وأصحاب مطاعم”.
كما بيّن الشيخ إبراهيم أن المبادرة كفلت 220 عائلة نازحة طيلة شهر رمضان من ناحية المسكن ووجبات الإفطار والمياه وحتى بعض الخدمات الطبية.
أم محمد (47 عاماً) أرملة وأم لخمسة أطفال، وافدة من ريف حماة الشمالي، ثمّنت المبادرة وعبّرت عن امتنانها قائلة: “قضيت 3 ليال متواصلة في العراء تحت شجرة زيتون بالقرب من بلدة قاح، لا استطيع وصف سعادتي حين وجدت وأطفالي سقفا يأوينا وبالمجان، لا توجد كلمات تعبر عن شكري لكل من ساعدني من شباب وثوار سرمدا”.
عبد الكريم المحمد (37 عاماً)، منشق عن سلك الشرطة، وأب لثلاثة أطفال يقول: “استدنت أجرة السيارة التي أقلّتني وأسرتي إلى بساتين الزيتون بجانب سرمدا، فأنا عامل بسيط ولا أملك دخلاً ثابتاً. أود شكر المبادرة التي لولاها لكانت أسرتي ما تزال تحت ظل زيتونة والله وحده يعلم ماذا كان حالنا اليوم”.
مبادرة “للخير أقبل” بدأت مع بداية شهر رمضان، وكان مخططاً لها أن تنتهي مع نهايته، لكن استمرار النزوح، وتواصل القصف للقرى والبلدات، مدّد العمل بالمبادرة، وإن اختلفت نوعية بعض الخدمات المقدمة. وعن هذا الواقع يقول المهندس محمد محفوظ قلاع (62 عاماً): “بالنسبة لوجبات الإفطار توقفت مع نهاية شهر الصوم. لكننا ما زلنا نكفل الأسر عبر توزيع المياه والخبز، والجيد في الامر أننا اليوم تمكنّا من الوصول إلى 500 عائلة نازحة، تتلقى الخبز والمياه من خلال غرفة الطوارئ، فالخير غير مرتبط بمبادرة وهو مستمر ما استمرت ازمة النزوح وما استمر الدعم من المتبرعين”.
“المبادرة اعتمدت بغالبها على دعم أفراد من أبناء سرمدا والبلدات المجاورة. لكن هذا لا يعني أنها لا تقبل التعاون مع الهيئات والمنظمات الإنسانية الراغبة بمساعدة النازحين” يقول عماد الشيخ إبراهيم ويضيف: “نحن على تواصل دائم مع المجلس المحلي في المدينة، ومن خلاله تواصل معنا بعض المنظمات بغية التعاون في توزيع السلل الغذائية والمعونات، كوننا على تماس مباشر مع الاسر ونعلم أماكن تواجدها، ونملك إحصائيات دقيقة لها، ورحبنا بهذه الخطوة كثيراً”.
الأستاذ رامي قزه وصف المبادرة بالحل المؤقت، فهي ليست حلّاً دائماً طويل الأمد، والهدف منها تخفيف صدمة النزوح الأولى عن النازحين، وتمكينهم من التأقلم مع المجتمع المضيف، ريثما يعتمد النازحون على أنفسهم شيئا فشيئا. “نحن لسنا منظمة وما قمنا به يشبه لجنة استقبال ليس إلا” يقول قزه.
من جهته يتمنى محمد وقاص، أن تعمم هذه التجربة فتشمل كل المناطق التي تلقت موجات نزوح، وعدم إلقاء الحمل كاملا على عاتق المنظمات والهيئات الإنسانية. “مساعدة أبنائنا وإخوتنا في المناطق المحررة واجب ثوري يقع على عاتق الجميع افرادا ومؤسسات” يقول وقاص.
ما ميز المبادرة اليوم عن سابقاتها من حملات قامت بها غرفة طوارئ سرمدا طيلة السنوات الماضية، هو توقيتها، فالنزوح ترافق هذه المرة مع شهر الصيام، والشمال السوري يشهد مؤخرا تراجعا بل إحجاما لدى بعض المنظمات، في مسألة الدعم والعمل في مناطق الشمال، وذلك كان انعكاساً دراماتيكياً متوقعاً على خلفية قرار الإدارة الأميركية تقليص ووقف نشاطها الإنساني والاغاثي في الشمال الغربي من سوريا، مع مطلع العام الحالي.
“للخير أقبل” التي انطلقت من فكرة زجاجة مياه وعلبة بسكويت صغيرة، باتت اليوم مثالا يحتذى وفكرة يسهل تطبيقها في أماكن أخرى ليس فقط في سرمدا. فجهود أفراد وإن كانت بسيطة لكنها مجتمعة سيكون لها أثراً إيجابياً، يخفف من معاناة كثيرين ما يزالون حتى اليوم يفترشون العراء تحت زيتونة في أحد بساتين الشمال السوري، وكما يقولون: “السيل يبدأ بقطرة ماء”.