كادت المظاهرات أن تحرمني من حلمي
معلمة في أحدى مراكز دورات محو الأمية في ريف ادلب- تصوير معهد صحافة الحرب والسلام
"كانت هذه أول مظاهرة لهذا الحي وأول مظاهرة أراها بعيني، أردت الانضمام إلى المتظاهرين لكنني شعرت بالخوف الشديد. "
يوم الأحد 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، كنا قد خرجنا من المدرسة لنعود إلى منازلنا. كنت طالبة في الصف الثالث الثانوي، حيث كنت مقيمة في حي السبينة، في ريف دمشق. كانت هناك مظاهرة مظاهرة طلابية للمدارس المجاورة لنا، أصابني شعور لم يحصل لي من قبل. كانت هذه أول مظاهرة لهذا الحي وأول مظاهرة أراها بعيني، أردت الانضمام إلى المتظاهرين لكنني شعرت بالخوف الشديد.
جاء اليوم التالي وتكررت المظاهرت، وكانت بأعداد أكبر مما تصورت. اجتمعت جميع مدارس الحي في منطقتنا، فقررنا أنا وصديقاتي أن نكسر حاجز الخوف الذي يسيطر علينا، وأن ننضم إلى المظاهرات، ونقف إليهم جنباً إلى جنب لنقوم بمظاهرة حاشدة نطالب بالحرية.
كان أغلب الطلاب ملثمين خوفاً من أن يتم التعرف عليهم. وعندما أصبحت الأعداد تزداد أكثر فأكثر جاء وحدات تابعة للجيش لتفريق المتظاهرين. اقترب العناصر من المظاهرة، وأطلقوا النار بالهواء لإرعاب المحتشدين. انسحب جميع الطلاب من الشارع، بسبب الخوف، وافترقنا عن بعضنا.
في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وبعد غياب أسبوع عدت إلى المدرسة. وإذ بجميع طلاب المدارس يقومون بالتنسيق للخروج بمظاهرات جديدة. عادت المظاهرات، وعادت مناداة الطلاب بالحرية. لكن أصبحت الأعداد أقل بسبب خوف الطلاب من الجيش. قوبلت تلك المظاهرة بإطلاق النار عشوائياً. قامت وحدات تابعة للجيش باعتقال طالبين. تفرقت المظاهرة، وأصبح الخوف سيد الموقف. وبما أننا فتيات ولا علم لعائلاتنا بما نقوم به،قررنا ألّا نخرج بالمظاهرات.
بدأنا نداوم بالمدرسة دون المشاركة في أي مظاهرة. وبعد ذلك تعرضت إحدى المدارس لسقوط عدد من قذائف الهاون. سقطت إحداها وسط المدرسة، حيث كنا نتواجد. أصيبت فتاة بإصابة طفيفة. عندما عدت إلى المنزل، وعلم والديّ بوضع المدرسة، قررا منعي من الذهاب إلى المدرسة.
استمر القصف ثلاثة أيام على المدرسة. وبعد عدة أسابيع أعادوا ترميم المدرسة، وفتحت أبوابها، وعاد الطلاب وجميع صديقاتي إليها. كلّمت والدي مراراً وتكراراً، لكنه كان مصراً على عدم ذهابي إلى المدرسة.
صديقاتي وبعد انقطاعي عن الدراسة حضرن لزيارتي في المنزل. طلبن من والدي السماح لي بالعودة معهن إلى المدرسة. وبعد جدال طويل، قبل. وعدت إلى مدرستي، كان هذا اليوم من أجمل أيام حياتي، بعد أن فقدت الأمل من عودتي للدراسة.
وضعت عقلي وتركيزي في دراستي، وابتعدت بشكل كامل عن المظاهرات والثورة. أردت أن أحقق حلمي، وأصبح طالبة جامعية.
مضت أربعة أشهر من متابعة دراستي، حيث استقر الوضع في جميع المدارس نوعاً ما. اقترب موعد الامتحانات، حيث بقي لها شهرين فقط. خلال هذين الشهرين اشتد القصف على حي السبينة، فابتعدنا بفعل القصف إلى منطقة صحنايا، حيث تقيم هناك أختي وزوجها وأولادها.
صحنايا، حيث يوجد السلام والأمان. بعيداً عن القصف والقمع والمظاهرات والخوف الذي عهدته بحي السبينة. طلبت من والدي أن يسجلني بإحدى مدارس صحنايا لكي أكمل تعليمي.
في 2 يونيو/حزيران 2013، المصادف يوم الأحد بدأ الامتحان، واستمر ما يقارب الشهر. وبعد الانتهاء من الامتحان نجحت وتم حصولي على شهادة الثالث الثانوي، فقمت بالتسجيل في جامعة دمشق كلية التربية.
وفي لحظة لم أتوقعها أبداً فقدت كل أحلامي. قرر والدي أن نذهب إلى مدينة إدلب. إخوتي كانوا يقيمون هناك خوفاً على أنفسهم من النظام الحاكم في دمشق. بدأت بجمع أغراضي ودموعي لا تفارق عيني. وصلت إلى ريف إدلب، وقررت أن أكمل دراستي في جامعة إدلب. لكن والدي وإخوتي عارضوا هذا القرار، بسبب ما سمعوه عن الجامعة ومعاناة الطلاب. وخاصة في إدلب، حيث كانت جامعات إدلب أقل أمناً من جامعات دمشق.
فقدت الأمل من دراستي ومضت سنوات على هذا الحال، بدون دراسة. وبعد أن تحررت مدينة إدلب من نظام الأسد أعادوا تأهيل الجامعة من جديد. ذهبت وقمت بالتسجيل في الجامعة، وبدأت بإكمال دراستي الجامعية بعد كل المعاناة التي واجهتني.
نادين المحمد (21 عاماً)، درست في كلية التربية حيث كانت تقيم في ريف دمشق، ثمَّ بسبب الأوضاع الأمنية تركت دراستها وانتقلت مع عائلتها إلى ريف إدلب.