نساء جبهة النصرة تلاحقن الماكياج والملابس القصيرة!

نساء يتعلمن القراءة والكتابة في إحدى دورات محمو الأمية في ريف إدلب- تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

نساء يتعلمن القراءة والكتابة في إحدى دورات محمو الأمية في ريف إدلب- تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

"همستْ لي صديقتي: أنستسلم ونذهب معهن؟

اقتربتُ منها وسط الزحام وقلت: كلا... لن نذهب معهنّ."

نادين المحمد

بعد حصولي على شهادة الثانوية العامة في العام 2013، التحقت بكلية التربية في جامعة دمشق، لكني اضطررت لترك الجامعة. قرَّرَ والدي أن نعود إلى بلدتنا.

جمعتُ حقائبي وعدنا إلى البلدة في ريف إدلب. هناك قرَّرتُ أن ألتحق بجامعة إدلب، لكنَّ والدي عارضَ قراري، وذلك لأنَّ الجامعة تخضع لسيطرة النظام. والدي عانى الكثير، كما كان يخاف علي بسبب تحرش عناصر الجيش بالفتيات على الحواجز.

نعم، أخذتُ بقرارِ والدي، ولم أذهب إلى الجامعة. انقطعتُ عن الدراسة لسنتين، حتى بدأ الجيش الحر بتحرير إدلب من قوات الأسد. وبعد التحرير بعدّة أشهر وتحديداً في 16/9 /2015 أعلنت جامعة إدلب عن فتح أبوابها مجدداً. أسعدني كثيراً هذا النبأ، ولم يعد هناك من عائق أمام التحاقي بالجامعة.

ذهبتُ أنا وصديقتي يوم الإثنين 14 كانون الأول/ديسمبر 2015 لكي أتسجَّل وأكمل حلمي الدراسي في كلية التربية بعد أن توقفت عن دراستي لمدة سنتين، وقد كانت الأوضاع آنذاك طبيعية.

بعد عدَّة أيام من دوامي في الجامعة خلال الفصل الأول، كنتُ أتجوَّل أنا وصديقتي أمام مبنى الكلية، فأوقفتنا مجموعة من النساء التابعات لجبهة النصرة وبدأنَ يبدين رأيهن بملابسنا وتُملينَ علينا التعليمات في ما يخص الملابس وبعدم السماح بوضع مساحيق التجميل (المكياج).

بعدَ هذه المضايقة، لم أذهب إلى الجامعة لمدة أسبوع كامل! وبعد انقضاء الأسبوع ذهبتُ إلى الجامعة أنا وصديقتي كي نُحضر مقررات المواد التي تغيّبت عنها، لكن عند دخولنا إلي كلية التربية تفاجأنا بعنصرين من جبهة النصرة يمنعاننا من الدخول إلى الجامعة بسبب ملابسنا القصيرة والمكياج!

ساومانا وطلبا منا مسح المكياج عن وجوهنا، كي نستطيع الدخول. بدأت صديقتي بمسح وجهها، لكنِّي رفضتُ الرضوخ، سأُبقي المكياج على وجهي! بعدَ عدَّة دقائق وبينما كان العنصران يتحدّثان مع إحدى الفتيات المخالفات أيضاً، استطعنا أنا وصديقتي الهرب منهما.

وصارت تستمر المضايقات حتى جاءت امتحانات الفصل الأول. في 9 -2 -2016قدّمنا المادة الأولى. وذهبتُ أنا وصديقتي إلى مكتبة الجامعة. وأثناء عودتنا واقترابنا من مدخل الجامعة تفاجأنا بسيارة تسير خلفنا مسرعةً للغاية، أوقفتنا ونزلت منها إمرأة من جبهة النصرة للحديث معنا!

يا إلهي… مرة أُخرى؟! سألتْ تلكَ المرأة صديقتي عن ملابسها القصيرة، وسألتني عن وضعي للمكياج. وأجبنا أنّ ذلك لا يؤذي أحداً… ثمَّ طلبت منا أن نركب السيارة كي نذهب إلى مقرهم ونكتب تعهداً بعدم ارتداء الملابس القصيرة أو وضع المكياج.

 

رفضنا ركوب السيارة! عندها بدأت المرأة بالصراخ! علت أصواتنا أنا وصديقتي معها، وإذا بنساء أخريات ينزلن من السيارة، وصارَ حولنا 6 نساء!  بدأنَ بدفعنا أنا وصديقتي نحو السيارة! يجب أن نذهب معهن، وكأنهن يُلقون القبض علينا!

أصابتني هستيرية من الصراخ، فبدأت الناس تتجمَّع من حولنا… زادَ إصرارهن بركوب السيارة، وصرنَ يدفعننا بقوة أكبر!

همستْ لي صديقتي: أنستسلم ونذهب معهن؟

اقتربتُ منها وسط الزحام وقلت: كلا… لن نذهب معهنّ.

حينَ تجمّعَ الناس أكثر فأكثر، بدأ السائق بالصراخ على الناس ورفع سلاحه عليهم! ثمَّ قالَ لهم: “اذهبوا من هنا ولا تتدخَّلوا في عملنا”.

في هذا الوقت، جاء سائق السيارة الذي نذهب معه إلى الجامعة وحاولَ التفاهم معهم، لكن دونَ جدوى فقد قاموا برفع السلاح عليه أيضاً!

النساء وصلن إلى ذروة الصراخ، ورحن يدفعننا بجنون نحو السيارة. أخذنَ حقائبنا وبدأنَ بتفتيشها وحجزنَ على بطاقاتنا الجامعية، وقالت إمرأة منهن: “إن كنتما تريدان استرجاع بطاقتيكما اذهبا إلى مقرنا وعليكما كتابة تعهُّد بعدم ارتداء الملابس غير المحتشمة أو وضع المكياج! حينها فقط تحصلان على البطاقات”.

نعم أخذنَ البطاقات وانصرفنَ… وكان جميع الناس ينظرون إلينا. صارت صديقتي تبكي بشدّة.

ذهبتُ إلى المنزل، لكن لم أُعلم والدي بما حصل، فقد كنتُ أكيدة أنهُ إن علمَ بالأمر سيمنعني من الذهاب إلى الجامعة مرة أخرى! بعد أيام قليلة، ذهبتُ أنا وصديقتي إلى الجامعة، وقررنا الحديث مع عميد الكلية بما حصل معنا، وطلبنا بمنحنا بطاقات جديدة. وفعلاً، وافق العميد على الأمر كي لا نضطر للذهاب إلى مقر جبهة النصرة.

حصلنا على بطاقات جامعية جديدة، وبقيت بطاقاتنا السابقة محتجزة مع النصرة. بعد عناء طويل، ومضايقات مستمرة، انتهى الفصل الأول.  وها هوَ الفصل الثاني قد بدأ وما تزال جبهة النصرة تحاسبنا على جميع تصرفاتنا وتمنعنا من ارتداء الملابس القصيرة أو وضع المكياج، لكن تأقلمنا مع هذا الوضع كي نكمل دراستنا.

تأكدتُ أنَّ المناطق التي تخضع لسيطرة جيش الأسد غير آمنة للتعليم، وكذلك المناطق التي تخضع لسيطرة فصائل المعارضة… وبالتالي لا يوجد أي مكان آمن للطالب كي يدرس فيه!

المضايقات والمخاطر تأتي من كل حدبٍ وصَوب، والطالب هوَ الضحية وكأنهُ أذنبَ حين قال “أُريد أن أُكمل تعليمي” وبشكل خاص  الفتيات، بين تحرُّش جيش النظام وتضييقات النصرة، تدرسنَ بطلوع الروح أو تتخلينَ عن الحق بالتعليم الذي صارَ حُلُماً!

نادين المحمد (21 عاماً)، كانت تدرس في كلية التربية في جامعة دمشق حيث كانت تقيم في ريف دمشق، ثمَّ بسبب الأوضاع الأمنية تركت دراستها وانتقلت مع عائلتها إلى ريف إدلب، وتستكمل تعليمها في كلية التربية في جامعة إدلب.