قصة ميساء التي حولت يأسها وألمها إلى انتصار
وجدت نفسها فجأة أمام مشكلة كبيرة ومسؤولية صعبة، زوجها الذي قضى في معارك الشرف والبطولة، ترك لها سبعة أولاد يقع على عاتقها تربيتهم والإنفاق عليهم. ميساء الأحمد (35 عاماً) من قرية تلمنس في ريف إدلب الشرقي تقول “لقد كان زوجي كل شيء في حياتي، لم يترك لي بعد رحيله أموالاً أو عقارات ولكنه ترك لي عنفوانا وعزة نفس تمنعني أن أطلب المساعدة من أحد مهما كانت درجة صلة النسب بيننا”.
بدأت ميساء المعروفة بأم عصام تعاني من ثقل الغلاء وقلّة الأعمال، فالرجال في هذه الأيام الصعبة والقاسية لايجدون عملاً فكيف بامرأة يائسة ضعيفة لا تملك سوى دموعها وأولادها الأيتام وهم ثلاثة صبية وأربع فتيات، الكبرى في الخامسة عشرة من عمرها. أردفت ميساء قائلة “اضطررت أن أوقف ولدين عن الدراسة والبدء بالعمل لنؤمن مصروفنا اليومي. عصام (10 سنوات) وسالم ( 9سنوات) يبيعان الفول النابت والحلوى عند أبواب المدارس”.
العائلة باعتبارها أسرة شهيد كانت تتلقى دعما شهرياً عبارة عن صندوق معونات يحوي بعض المواد الغذائية. بالرغم من ذلك بالكاد تستطيع الأم تدبير أمورها حيث يقتصر المصروف اليومي على شراء الحاجات الملحة فحسب. تضيف ميساء “بالرغم من الضائقة التي كنت أعيشها مع أولادي كنت أحمد آلله على كل شيء، ولكن الأمر الذي زاد عذابي عذاباً شديداً، وجعل الدنيا تسودّ في عيني، هو الحادث الذي تعرض له ولدي سالم عندما مرّت الطائرة الحربية بسماء القرية. كان صوتها مخيفاً. كان ذلك أثناء انصراف طلاب المدارس، خاف الأولاد وبدأوا يتراكضون. حمل سالم بضائعه وأخذ يركض إلى عرض الطريق، لم يلحظ السيارة المسرعة التي كانت تمر حيث صدمته، وأدى الحادث إلى كسر عموده الفقري”. وبدموع بدأت تتساقط تقول ميساء “هو اليوم طريح الفراش لا يستطيع الحراك”.
كانت ميساء تسهر الليل كله على راحة ولدها وهي تبكي، لأن القدر كتب على هذا الطفل أن يتحمل مسؤولية أكبر من عمره، حتى إنتهى به الأمر إلى هذه الإصابة، وهو الآن يحتاج إلى عملية جراحية تكلف مبلغاً كبيراً لا تملك الأم منه شيئاً. يجب ان تجرى العملية في تركيا لأنها صعبة ومعقدة والمشافي العامة في ريف إدلب إمكانياتها محدودة. تتابع الأم “جارتنا أم رائد تجيد مهنة الخياطة، ذهبت إليها وطلبت منها أن تساعدني في تعلم مهنة الخياطة، أبدت الجارة استعدادها لذلك بكل سرور، كنت أذهب إليها يومياً من الصباح وحتى المساء، وفي الليل أقوم بالأعمال المنزلية والطهي”.تصمت ميساء قليلا ثم تقول “كان علي أن أضع كل تفكيري لأتعلّم بسرعة، بدأت أتقدم بالمهنة يوماً بعد يوم “.
كان لدى ميساء آلة خياطة قديمة، نظّفتها وأصلحتها، واشترت قماشاً وبدأت تحوك الملابس ذات الحجم الصغير والتصاميم السهلة في البداية، ثم ترسل ولدها إلى السوق لبيع ما حاكته من ملابس، وكانت فرحتها عظيمة عندما عاد عصام وقد باعها كلها.
وبدأت النساء يتوافدن إلى بيت ميساء من أجل حياكة الملابس، ولأن ميساء كان لديها من الصغر هواية في تنسيق الألوان وتطبيق قطع الملابس على بعضها، نجحت في عملها شيئا فشيئا وأصبحت من أمهر الخياطات في المنطقة كلها.
تقول عنها جارتها أم رائد “لقد مرّت ميساء بظروف صعبة جداً، إنها إنسانة عصامية رفضت أن تمد يدها لأحد من الناس، وبإرادة قوية تعلّمت مهنة الخياطة بسرعة”.،وتبدي فخرها بميساء قائلة “يكفيها أن تشاهد التصميم مرة واحدة حتى تقلّده وتنجزافضل منه وهي اليوم تملك مشغلا للخياطة يوزع الملابس على معظم محلات القرية”.
أبو محمد (50 عاماً) يملك مخزنا لبيع الألبسة في تلمنس يقول “أتعامل مع أم عصام وأشتري الملابس من مشغلها، وهي ذات سمعة طيبة وأخلاق كريمة، تربّي أولادها بكل إخلاص وتفان، نحن فخورون بها، إنها قدوة حسنة لكل أرملة يقع على عاتقها تربية أولادها “. ويلفت أبو محمد أن مشغل ميساء يضم الأرامل فقط لأن معاناتهن هي جزء من معاناتها وهي تريدهن أن يعملن حتى لايحتجن لأحد في تربية أولادهن.
وتختم ميساء بالقول “لقد عاد ولدي عصام إلى دراسته، وجمعت المبلغ المطلوب من أجل إجراء عملية سالم، أتمنى أن أراه يمشي على قدميه من جديد، يسعدني أن أكون وفية لوصية زوجي والأمانة التي تركها لي، سأربّي أولادي بعز وكرامة، استطعت بعون آلله أن أنتشلهم من براثن الفقر والحاجة، لا لن أبكي بعد اليوم لأنني استطعت بعزيمة كبيرة أن أحول يأسي وألمي إلى إنتصار”.
سونيا العلي (33 عاماً)، من معرّة النعمان، متزوجة أم لأربعة أبناء، تحمل إجازة جامعية في مادة الأدب العربي تعمل كمدرّسة.