قصة إصابة لم توقف مسيرة بطل
عبدالرحيم منافيخي يواصل تعليمه ويساعد والده بالعمل تصوير شريف فارس
رصاصة أصابت عبدالرحيم منافيخي (21 عاماً) في حي صلاح الدين في مدينة حلب جعلته عاجزاً عن السير على قدميه مجدداً. تغيرت عليه حياته وأصبح يواجه الكثير من المصاعب التي لم تكن بالحسبان. لكنه قاوم واستعاد نشاطه وحيويته، وواصل حياته بإصرار حتى يتمكن من تحقيق حلمه بأن يصبح “طبيب جراح” يعالج كل المصابين وينقذهم من الشلل الذي يعاني منه.
عبد الرحيم لم يرَ من شبابه سوى الحرب والاصابة والتهجير.ما حدث مع عبد الرحيم انه تعرض لطلق ناري، وتمركزت الرصاصة في عموده الفقري. تم اسعافه من قبل أصدقائه إلى المشفى ليحول بعدها إلى تركيا نتيجة خطورة العملية التي أجريت في عموده الفقري لإخراج الطلقة.
بدأ مرحلة علاجه في المشافي التركية، ولم يكن يدرك أن إصابته خطيرة لدرجة أنها ستفقده حركة رجليه. كان يعتقد بأنها مجرد عملية ويعود بعدها كما كان ويسير على قدميه، لكنه لم يستطع السير بعد إجراء العملية. كانت تلك لحظة فاجعة مؤلمة.
قال له الطبيب: “يا بني عندك شلل نصفي بالأطراف السفلية”. أي أنه لا يمكنه السير على قدميه بسبب هذه الرصاصة. كان هذا الخبر كالسيف القاطع. لم يستطع النوم في ذاك اليوم وبات يجهش بالبكاء والدعاء.
كم تمنى أن تكون تلك اللحظات حلم لكنها حقيقة موجعة. استطاع أحد الأطباء أن يخفف عنه ببعض من الكلام ويزرع بقلبه الأمل بأنه بالعلاج الفيزيائي إن استمر، سيعود للسير على قدميه، لكنه يحتاج لوقت وعزم.
مضت الأيام وعاد عبد الرحيم إلى مدينة حلب دون أن يسير على قدميه. لكنه لم ييأس، واستمر في علاجه الفيزيائي كما أخبره الطبيب على أمل الشفاء.
ولكن عبد الرحيم اضطر للخروج من مدينة حلب بسبب سيطرة النظام عليها في ذاك الوقت.توقف العلاج وبات عبد الرحيم مقعداً يستعين بكرسيه المتحرك، الذي بات صديقه اللدود دون أي جدوى أو شفاء.
لم يصبه اليأس. بات يبحث عن أي شيء محاولا استعادة طاقته الشبابية وروحه المرحة. سانداه أمه وأخته ووقفا بجانبه.عمل مع أبيه في “سوبر ماركت” صغيرة ليساعده في مصاريف الحياة وباتت أيامه بين المحل والمنزل.
ذات يوم قال له أمه: “عليك أن تتعلم وتكمل دراستك”. أعجب عبد الرحيم بالفكرة وسعى لذلك بمساعدة أمه، ودخل المدرسة وباتت الحياة تتغير على ملامح وجهه.”سأحقق حلمي أن أكون طبيب جراح” قالها بصوت مرتفع وهو يبتسم وكأنه باب أمل جديد أمامه.
استطاع عبد الرحيم أن يداوم في مدرسته مع الطلاب، وتغلب على جميع مشاكله ولم يهتم لكلام مجتمعه المحيط به. كانت تزعجه وتؤلمه تعليقاتهم من مثل “أنت مقعد ماذا تنفعك الشهادة”. ولكن هذه التعليقات زادته إصراراً على إكمال تعليمه.
مع الأيام استطاع تجاوز المرحلة الإعدادية. أخذ شهادة التاسع بجدارة وتفوق على جميع زملائه. حصل على الشهادة وبدأ حلمه يتحقق في بداية خطواته.بانت الفرحة على وجه أمه بما قدمه ولدها وكأنها ملكت الدنيا وما فيها. فهي التي حزنت لمصابه وبكت لألمه وسعت لإخراجه من وضعه وشجعته على التعلم وأعطته الأمل.
كما كان الفخر من نصيب صديقه محمد، الذي سانده في المدرسة، ووقف إلى جانبه وكلما شاهده حزيناً من كلام الناس كان يجبر خاطره بكلام فيه أمل.
يكمل عبد الرحيم مشواره بالتعلم على أمل تحقيق حلمه، وخصوصاً بعد تكريمه من قبل إدارة التعليم بريف حلب الغربي، لتفوقه على زملائه. وفتحت مدرسة خاصة له الأبواب ليتعلم بالمجان ليحصل على الشهادة الثانوية.
يختم عبد الرحيم قصة نضاله بالقول: “لا يمكن لأي أمر أن يقف بوجه أحلامك، ضع هدف حياتك واعمل له مهما كانت إصابتك أو عجزك، كافح لتغيّر ما أنت فيه”.