في طريقي إلى حماة
امرأة تعمل في قطاف الطماطم في أحد المشاريع الزراعية بالقرب من مدينة حموريه في الغوطة الشرقية، الصور ملتقطة بتاريخ 01-08-2017.
"والآن أنا معلمة لغة إنجليزية في قرية كفرسجنة، أعمل بمهنتي بإخلاص، وأعلم طلابي على أن يكونوا أصحاب إرادة حرة، وأشجعهم على العمل ليحققوا أحلامهم"
“تم تحرير إدلب”، ما إن عمّ ذاك الخبرُ في أرجاءِ قريتي في 28 آذار/مارس 2015، حتى استقبلته الجوامع والناس بالتكبير. لإن التحرير كان حلماً شبه مستحيل، فانهمرت دموعي فجأة، ما تركني في لحظة ذهول أسأل نفسي: “هل هي دموع فرح لأن المنطقة خُلصت من حكم النظام، أم حزن على جامعتي التي أُغلقت بسبب ذلك، فغدا مستقبلي مجهولاً”.
فرحتنا لم تكتمل، إذ صب النظام جام غضبه على المدينة انتقاما منها، مما صعب علي الذهاب إلى هناك لإحضار وثائقي الجامعية. حاولت أن أتناسى موضوع الجامعة بالانشغال بأعمال المنزل. إلّا أنني كلما صادفت أحدهم كان يسألني: “ماذا ستفعلين بشأن مستقبلك؟
ذاك السؤال بحد ذاته كان يضرم نيران الألم في قلبي، فلا أرد عليه، لأنني أنا ذات نفسي لا أعلم الجواب. تمنيت لو وجدته، على الأقل كنت وضعت حداً للتساؤلات التي كان يفيض بها عقلي.
فضّلت الابتعاد عن الناس علّني أنسى ألمي، إلا أن حقيقة ضياع تعبي خلال السنين الماضية دهساً تحت الأقدام، كانت تسبب لي موجات حزن في كل لحظة تمر وأينما أتجه، الأمر الذي أوجع روحي، موقداً في نفسي الحنين إلى الأيام الخوالي، حالما يقع ناظري على ورقة أو قلم. وبقيت واقفة على أطلال الذكريات، إلى أن أتاني اليوم المُنتظر حاملاً معه نبأ يفيد بأن طلاب إدلب يمكنهم متابعة دراستهم في أي جامعة قريبة على محيطهم.
فكانت حماة الخيار الأقرب بالنسبة لي، لوقوع قريتي في آخر ريف إدلب الجنوبي. بعد أن طرحت الفكرة على والدي قوبلت بالرفض القاطع المُبرر بخوفه علي من الاعتقال، حيث قال حينها: “نحنُ أهلُ إدلب مكروهون”. في حين أعمت رغبتي بالذهاب عيني عن رؤية أي شيء غيرها. فاضطررت لوضع أبي تحت الأمر الواقع، و سافرت في صباح 5 أيار/مايو.
قبل أن أصعد الحافلة، حذرني السائق بشدة من حمل أي شيء ثمين معي، لكي لا يطمع به العساكر. ثم انطلقنا، لم تزعجنا الحواجز أبداً، بالرغم من كثرتها، وذلك لبراعة السائق في انتقاء الرشاوى المناسبة للعساكر، إذ أنه أحضر ما يحبون من دخان ونقود وغيرها. ومع ذلك كنت خائفة كثيراً لدرجة أنني أمضيت الوقت بالدعاء، و طلبت من الله أن يعمي أبصارهم عني.
وصلنا بعد مرور ساعتين تقريباً، شعرت حينها وكأني في عالم آخر، لأول مرة أرى طائرة تنطلق بالأجواء عن قرب في حين الناس تحييها، للوهلة الأولى خفت، فانتبهت إلي إحدى الفتيات وسألتني: “أتخافين من الطائرات؟” لم أكترث لها، ثم انطلقت على الفور إلى الجامعة، لأتابع أمور التسجيل.
كنت كلما دخلت مكتباً، سمعت حديثاً عن استعدادات الجيش لإستعادة إدلب من أيدي الإرهابيين، ضجرت منهم ومن معاملتهم السيئة لي، التي كان سببها أنني من المناطق المحررة. بعد ذلك انتهيت من التسجيل، توجهت إلى الحديقة لأستريح ريثما تصل الحافلة.