عندما يكون الطلاق سبيلاً للخلاص

دكان لبيع الفطائر في زملكا

دكان لبيع الفطائر في زملكا

"كلما أتذكر أبكي بحرقة على العروس وكأنها ذاهبة إلى قبرها، في حين أن الناس تفرح لها مهنئة إياها. أنظر إلى جميع رجال العالم على أنهم وحوش، بسبب ما لاقيته في تجربتي التي عشتها مع زوجي"

ما إن يرن في مسمعي نبأ زفاف إحدى صبايا قريتي كفرسجنة، حتى تتوارد سلسلة من الذكريات السوداوية في مخيلتي بصور ذات دموع ودماء.

12 سنة مرت، كنت مضطهدة في علاقة زوجية جمعتني برجل لا يجيد الحوار إلا بيديه وقدميه. وما تلك الذكريات إلا الوقود التي تشعل نيران الخوف في خاطري على الفتاة التي تتجهز لعرسها، فيخاطب روحي صوت مجهول قائلا بهدوء “مسكينة تلك العروس، ستتعرض للضرب كما حدث لك في السابق”.

كلما أتذكر أبكي بحرقة على العروس وكأنها ذاهبة إلى قبرها، في حين أن الناس تفرح لها مهنئة إياها. أنظر إلى جميع رجال العالم على أنهم وحوش، بسبب ما لاقيته في تجربتي التي عشتها مع زوجي، حيث كانت عبارة عن مسلسل بسيناريو مليئ بالوجع الجسدي والنفسي إلى جانب الإذلال.

بشهادة تلك الخزانة الخشبية التي استعملها زوجي كزنزانة يسجنني فيها متى ما طاب له، إضافة إلى أنه كان بارعا في إختيار أساليب الضرب المبرح، التي كانت كفيلة بإظهار الكدمات بألوان غامقة على جسمي ووجهي.

بداية كنت أقابل تلك المعاملة بالصمت، وذلك لأسباب يمتزج بها الخوف من النتائج السلبية في حال فشيت لأحد، مع الأمل بحدوث معجزة تغير طباع زوجي. إلّا أن صمتي كان يتناسب طرديا مع عنفه، حتى ذات يوم اشتد تعنيفه لي، فصدح صوتي في أرجاء الحي جامعاً علينا الجيران.

يومها خلصتني جارتي من بين يديه ثم أدخلتني بيتها، فسألتني:” لماذا لا يوجد تفاهم بينكما؟” فأجبتها بأن العصا واليد مع القدم محال أن يخلقوا حوار ودي بين رجل وزوجته، فتابعت حديثها حتى أشعلت مرارة الأسى في نفسي بسؤالها الثاني “ألم تكوني تعرفيه قبل الزواج؟”.

فما كان مني إلا الصمت، تذكرت حينها يوم تقدم ذلك الرجل لخطبتي، كان عمري آنذاك 15 عاماً. ولا أعلم عن الحياة سوى بيتنا وواجباته، وفجأة دخلت علي أمي، لتصفعَني بِعبارتها قائلة”قرأنا فاتحتك على فلان”.

لم أتمالك نفسي حينها فواجهتها بالرفض القاطع، لتنهال علي بالضرب مساعدةً إياها جدتي، وذلك بسبب سيطرة رغبة تزويجي على عقلهما والتي ترافقت بالظهور مع بلوغي. بعد مرور ساعات طويلة من الضرب أعلنت استسلامي بقبولي بالزواج من ذلك الخاطب، ثم خلال فترة قصيرة كانت زفتي عليه.

عندما ألبسوني الأبيض كنت أحاول أن أتفاءل بأن يكون القادم أفضل، مع أنني وصلت إلى ذلك الفستان بالإكراه، لكن ما باليد حيلة إلا الرضا بالنصيب، إلا أنه ينطبق علي المثل القائل “المنحوس منحوس حتى لو علقوا على رأسه فانوس”.

أمضيت معه 5 سنوات لم أر فيها سعادة قط. خلال تلك الفترة حملت منه، ذلك ما أجبرني على تحمله، حتى أصبت بصرع جزئي إثر الضرب، فتلاشى صبري بلحظات، ليدفعني لطلب الطلاق، خصوصا بعد أن بدأت صحتي النفسية والجسدية تتراجع رويداً رويداً.

انسحبت من منزله بملابسي التي علي فقط متنازلة عن جميع حقوقي سوى شيء واحد ألا وهو طفلي. وغدوت منبوذة في مجتمعي وبيت أهلي. لم تكن الخسارة هي اسم مطلقة و كرهي للرجال فقط، بل امتدت لتسرق مني عاطفة الأمومة، فطوال السنوات التي مضت لم أشعر بشيء يربطني بابني، مع أنه كان معي. وذلك لأن الأسى الذي ذقته في السابق أعمى بصري عن الأشياء الجميلة في حياتي.

والأن أنا أعيش في خيمة فقيرة من كل شيء مادي ومعنوي . في كل يوم جديد تتفتح عيناي عليه أشعر بضعف يلتهم روحي. أحاول أن أعمل لأكسب قوت يومي، فأتعكر بوجود ناس غابت عنهم الأخلاق، إذ يستغلون حاجتي للعمل كمطلقة في سبيل إشباع غرائزهم القذرة، لكنني أبرهن لهم وبكل ما أوتيت من قوة بأن المطلقة ليست لقمة سائغة.

أولئك الناس يزعجونني لكن ليس بقدر فكرة أنني لست الوحيدة التي مرت بمثل هذا الشقاء، فهناك المئات اللواتي لا تمسح دموعهن إلا وسائدهنَّ شاكيات بؤسهن للعزلة والظلام، لكن يا ترى هل إذا وصلت قصتي وقصصهن إلى الناس، سينقذ الجيل القادم من الشقاء الذي سقطنا في أعماقه؟

سيرين المصطفى (22 عاماً) من ريف إدلب تحمل شهادة جامعية وتعمل في مجال الكتابة والأعلام.