في أطمة لوح وسكاكر وأطفال يدرسون تحت الشجرة
يتعلمون تحت الشجرة قواعد الكتابة تصوير أسعد الأسعد
يحمل باسل لوحاْ خشبياً صغيراً ترافقه زوجته وئام التي تحمل الأقلام. يتوجهان الى ساحة مخيم أطمة للنازحين، حيث يبدأ باسل بمناداة الأطفال بصوت عالٍ. نحو 30 طفلة وطفل يتجمعون حول باسل ووئام تحت ظل شجرة زيتون كبيرة وتبدأ حصة القراءة يليها حصص الكتابة والحساب.
في مشهد يذكر بمدرسة القرية مطلع القرن الماضي، حيث كان التعليم في الهواء الطلق، لا يتم تقسيم الطلاب بناء على صفوفهم بل كان الجميع ومن أعمار مختلفة يتابعون الدروس معاً، أما التقييم فيتم لاحقاًـ وكان الهدف الأسمى حينها الشهادة الإبتدائية.
باسل النسر (36 عاماً) خريج معهد الحاسوب وزوجته وئام (30 عاماً) تحمل شهادة جامعية في تخصص التربية، هما من مدينة خان شيخون جنوب محافظة ادلب، وهما الوحيدان في مخيم أطمة من حملة الشهادات المتوسطة والجامعية. يعيش الزوجان في خيمة مهترئة من خيم المخيم الخمسين.
بعد انقضاء 3 أشهر على تهجيرهما من مدينتهما وانقطاع ابنيهما عن التعليم لأكثر من 5 أشهر، قرّر الزوجان تأسيس مدرسة بسيطة من خلال إمكانياتهما المحدودة، لتذكير أطفال المخيم الذي يقع على مسافة كيلومترين من الحدود التركية، بما تعلموه في مدارسهم التي قصفت ودُمّرت بشكل كامل.
عن فكرة تلك المدرسة وكيفية إنشائها يقول باسل: “طرحت زوجتي علي فكرة إنشاء مدرسة في مخيمنا كونها الإمرأة الوحيدة المتعلمة بين نساء المخيم، وأصرّت على فكرتها كونها كانت معلمة في إحدى مدارس خان شيخون قبل نزوحنا، وتجيد التعامل مع الأطفال، وتعرف ماذا يمكن أن ينتج عن انقطاع هؤلاء الأطفال عن التعليم لمدة أطول”.
وعن أدوات و مقومات مدرسة الزوجين يضيف النسر: “قمت بجلب لوح خشبي صغير نكتب عليه بواسطة أقلام الحبر السائل، إضافة الى بعض الدفاتر والأقلام وقد أعطاني إياها مدير مدرسة خاصة في بلدة أطمة”.
وكون مدرسة الزوجين تفتقر الى أبسط مقومات المدرسة، عمد باسل الى طريقة بسيطة لترغيب الأطفال بالدراسة، فهو يذهب كل يوم الى دكان قريب من المخيم ويشتري كيساً من السكاكر، ويقوم بتوزيعها على الأطفال خلال دوامهم في المدرسة.
وعن هذا الأمر يقول باسل: “في بداية حصص المدرسة لاحظت أن الأطفال يتناقصون تدريجياً من المدرسة ويقل عددهم، فقمت بجلب كيس من السكاكر وفي اليوم التالي اعطيت لكل طفل حبة من السكاكر، وإذ بهم يصيحون للأطفال الغياب بأنني جلبت السكاكر اللذيذة لهم، وبهذه الطريقة رغّبتهم في التعلم عبر أبسط الطرق التي أستطيع تأمينها لهم”.
حصص وئام زوجة باسل تبدأ عند الساعة السادسة مساءً وتستمرّ حتى الثامنة كل يوم، أيّ أنها تبدأ دوامها بعد الانتهاء من واجباتها تجاه زوجها وأبنائها فهي أم لطفلين. وهي تقوم بتقسيم الطلاب حسب أعمارهم الى مجموعات، ومن ثم تبدأ بتعليمهم القراءة والكتابة وأساسيات الحساب.
عن تقسيم يومها وطبيعة حياتها الجديدة في المخيم تقول وئام النسر: “أستيقظ باكراً في كل يوم لأقوم بتنظيف خيمتي وإعداد الفطور لعائلتي، ومن ثم أهتم بطفليّ وزوجي، وكوننا نعيش في العراء، لا بد من غسل الثياب المتسخة، وتحضير الغداء”.
وتتابع وئام: “أول المساء يبدأ باسل بمناداة الأطفال لكي أعطيهم الدروس، فأقوم بتقسيمهم الى مجموعات حسب العمر، وأعطي لكل مجموعة وقتها، أقوم بإعطاء جدول الضرب، والأحرف الأبجدية، وبعض آيات القرآن الكريم”.
وعن السبب الذي دفعها لطرح هذه الفكرة على زوجها تقول وئام: “ينفطر قلبي على طفليّ لأنني أراهما و أراقبهما أمام عيني وهما منقطعين عن الدراسة منذ أكثر من 5 أشهر، سوف ينسيان كل ما تعلّماه عندما كنا في مدينتنا. فقمت بهذه الخطوة لتذكير طفليّ وأطفال المخيم بالمعلومات التي تعلموها في ديارهم ومدنهم”.
وتضيف وئام: “أنا أعلم أن عملي بسيط ويفتقر لأبسط مقومات العلم، وأقوم بالتدريس في بيئة غير صالح للتدريس، لكنني سأستمر في عملي وسأستمر بتعليم الأطفال لأنهم أملنا في المستقبل”.
الأطفال في مخيم وئام وباسل ينتظرون كل مساء كل يوم بفارغ الصبر للذهاب الى المدرسة وذلك لأخذ السكاكر التي يقدمها باسل.
ميس علاوي (9 أعوام) طفلة من الأطفال المهجرين من مدينة خان شيخون وهي تلميذة لدى وئام في مدرستها، تقول ميس: “أنا أحب معلمتي وئام كثيراً، وأتابع معها عندما تعطينا الدروس، هي تفعل كل ما بوسعها من أجلنا، تعلمنا القراءة والحساب، وزوجها يجلب لنا السكاكر اللذيذة”.
كسبت مدرسة وئام ثقة الأهالي في المخيم فجميع قاطني المخيم يرسلون أطفالهم الى مدرستها، فهم يرون في هذه المدرسة مصدراً علمياً مؤقتاً لأطفالهم ريثما يعودون الى مناطقهم، على حد قولهم.
أحمد علاوي أبٌ لأحد الأطفال الذين يدرسون في مدرسة المخيم أشار الى أنهم يثقون بوئام وتعليمها لأطفالهم. فهي تقدم ما تستطيع لتعليمهم، علماً أنها لا تتقاضى أيّ راتب او مساعدة، فهي تعمل بشكل تطوّعي في سبيل إنقاذ هذا الجيل الذي أنهكته الحرب.